للحياة المعاصرة ضريبتها على الفرد والمجتمع فتغير نمطها فرض الكثير من الجوانب الإيجابية والسلبية، وما بين رمضان اليوم ورمضان الأمس الكثير من أوجه الشبه والاختلاف لاسيما أن لهذا الشهر الكريم عادات وتقاليد كثيرة منها ما استمر حتى الآن، ومنها ما اندثر، لكنه ظل حيًّا في ذاكرة الزمان ..!
و لكل منّا ذكرياته التي تحتفظ بها ذاكرته لشهر رمضان المبارك قديمًا؛ فرمضان شهر له مذاق خاص يجعله المحبب لقلوب تنتظره بشغف، في كل عام حتى وإن تبدلت عاداته التي اختص بها وقد هل علينا ضيفنا الكريم هذا العام بعاداته وتقاليده التي يتوارثها الأجيال يومًا بعد يوم؛ حيث يبقى الشهر نفسه لا يتغير فهو يأتي في موعده من كل عام ليجد الحياة هي التي تطورت، والناس هي التي تغيرت وتبدلت، ولعل ما هو ثابت دائمًا في هذا الشهر المبارك هي روحانيته التي تهذب النفوس، وتبعث فيها روح الأمل والمداومة على الطاعات والعمل.
لذلك يتذكر الكثير من كبار السن في هذه الأيام العديد من تقاليد شهر رمضان المبارك قديمًا، والتي عايشوها أو استمعوا لبعض قصصها من رواد عاصروها؛ حيث لا يزال مجتمعنا يحاول الإبقاء على تلك العادات رغم ضغوط التحضر، ومرور السنين التي ساهمت في اندثار بعض تلك العادات، فيما لا تزال أخرى تقاوم ذلك الاندثار.
وعند الرجوع بالذاكرة إلى سنوات قد خلت؛ فإننا نسترجع بعض الذكريات والتقاليد التي يختص بها شهر رمضان؛ بداية بمعرفة خبر دخوله الذي كان قبل عهد الرأي والمذياع يُعرف عن طريق اشعال النيران في قمم الجبال؛ فيتسارع الناس لإبلاغ أصدقائهم وجيرانهم بدخول الشهر الفضيل، وما أن ظهر المذياع والرأي حتى أصبح إعلان دخول شهر رمضان المبارك يمثل أجمل اللحظات؛ حيث تجتمع الأسرة لسماع الإعلان عن ثبوت رؤية الهلال إلا أن الأمر أصبح هذه الأيام في غاية السهولة والسرعة؛ حيث ينتشر خبر رؤية الهلال في لحظات عبر وسائل الإعلام والاتصال المختلفة.
وسرعان ما تتحول البيوت بعد ثبوت دخول الشهر الكريم إلى ما يشبه خلايا النحل؛ حيث تعكف النساء على طحن الدقيق بكميات كبيرة وترتيب المنزل لاستقبال ضيفهم العزيز، ومن ثم البدء في اليوم التالي بإعداد مائدة الإفطار، والتي لا تخلو من الأطباق الشعبية الرئيسة، إذ تتميز المائدة السعودية باستحضار الكثير منها، في وقتنا الحاضر فنجد أن هناك أكلات ما زالت تتربع على عرش قائمة الإفطار كالفول والسمبوسة واللقيمات والسوبيا إلى جانب الأمر والقهوة وماء زمزم الذي لا تكاد تخلو منه موائد الإفطار التي كانت تغلب عليها البساطة في ذلك الوقت.
ورغم قساوة الظروف في تلك الأزمنة إلا أنه يبقى رمضان شهرًا للخير، فأهل الحي أو القرية جميعهم يعيشون كأسرة واحدة، فالنساء يتعاون في إعداد مائدة رمضان في تكافل شعبي لا نظير له فلا يمكن أن تصنع أسرة طعامًا دون أن تعطي منه إلى جيرانها فتتنوع بذلك الموائد باختلاف طبخ الجيران؛ فكانت أيام رمضان جميلة بمحبة الناس لبعضهم، وتمسكهم بتقاليدهم وعاداتهم فطبيعة الحياة فرضت على الناس نظامًا اجتماعيًا يقوم على التعاون فتلاصقت قلوبهم قبل أن تتلاصق مساكنهم، وتداخلت عواطفهم قبل أن تتداخل منازلهم.
كذلك يُعد رمضان شهر اللقاءات الاجتماعية، ففيه يتجمع الناس عقب صلاة التراويح في المجالس، ويتبادلون أطراف الحديث، فضلًا عن الزيارات العائلية التي كانت تستمر حتى منتصف الليل؛ حيث يجتمع الرجال مع الرجال والنساء مع النساء في بساطة بعيدة كل البعد عن التكلف، وكذلك الحال مع الأطفال فرمضان هو الشهر الوحيد الذي يُسمح للأطفال أن يخرجوا فيه ليلًا؛ حيث يمارسون مختلف الألعاب التي أدخل في قلوبهم البهجة والسرور.
أما العمل في شهر رمضان فإنه لا يتوقف فالرجال يمارسون مهنهم تحت أشعة الشمس الحارقة؛ فإذا ما اشتدت حرارة الشمس في صيف رمضان استظلوا بالأشجار حتى يتجنبوا شدة الحرارة فلم يكن هناك مكيفات، أو أي وسائل للتبريد وكذلك هو الحال بمن يعمل في الزراعة، ورعي الأغنام فقد كانوا يمارسون حياتهم بشكل طبيعي في رمضان، حيث إن الوضع لا يختلف فيه عن غيره من الشهور .
وفي محطة ما قبل الختام؛ فإنه يمكن لكل من تجاوز الأربعين من العمر أن تنتابه مشاعر جياشة وحنين إلى الماضي الجميل، فضلًا عن كثير من القصص والحكايات التي تتناقلها الأجيال، ورواة التراث والأدب الشعبي عن الصيام قديمًا، وكيف كان الآباء والأجداد يعيشون أيام وليالي رمضان، ومع أنها روايات فيها من المتعة والتسلية الشيء الكثير، إلا أنها تحمل في طياتها قسوة الزمان، وما فيه من تعب وعذاب للإنسان.
وأخيرًا سيظل رمضان ضيفًا عزيزًا على نفوسنا خفيف الروح نسماته مباركة يأتي ويرحل سريعًا، ولكنه يخلف لنا خلفه الكثير من الذكريات التي لا تشيخ فالعادات الرمضانية نظام متوارث لا نستطيع التخلي عنها ولا إغفالها، رغم ما نلاحظه اليوم من التبدل الذي طرأ على العادات والتقاليد الاجتماعية التي تميِّز الحياة اليومية خلال شهر رمضان المبارك.