قال صاحبي: ألا تلاحظ أن البعض يردد مع كل عيد بنغمة تشاؤمية بيت أبي الطيب المتنبي عيد بأي حال عدت يا عيد.. بما مضى أم بأمر فيك تجديد؟ لماذا لم تعد أعيادنا كما كانت في الماضي؛ يردد البعض الآخر، هل تغيرت أعيادنا، أم نحن الذين تغيرنا؟
يأتي العيد في الإسلام بعد مناسبتين عظيمتين، فهما مكافأة لنا ممن شرع هذه العبادات، على إتمامها، فهذا الدين العظيم لم يصادر فرحة المسلم، بل هذّبها، وجعل العيد للفرح والسعادة، وليس للهم والغم، الفرحة التي يحاول البعض اغتيالها، واجترار الماضي، وإطلاق التنهدات والزفرات، في غير وقتها، وفي موسم من مواسم السعادة، والتسامح، فهما محطة توقف للتزوّد بالطاقة الإيجابية لمواصلة الحياة.
فالعيد فرحة عامة، يتشارك فيها الجميع، الصغير، والكبير، القريب والبعيد، تتشاركها ويتبادر التهنئة بها ملايين البشر في كل مكان، فرحة عامة لا تتكرر في العام إلا مرتين، فلماذا الإصرار على إفسادها، بتذكر ما يفسد فرحته، من الماضي، الذي طويت صفحته، بدلًا من نسيانه، أو من الحاضر الذي لا تستطيع تغيره، وعيش لحظاته السعيدة وطقوسه المتنوعة، وساعاته المحدودة، أو لعدم قدرتك على عيش اللحظات السعيدة والاستمتاع بها إلا مع (الشلة).
لماذا لم تعد أعيادنا كما كانت في الماضي، من الأسئلة الشائعة مع كل عيد، نحن من تغير، نحن من تغيرت نظرته للحياة بكل ما فيها، نحن من لا يعشق الفرح، كبرنا، وتكبرنا على الفرحة، ورأيناها تخص الأطفال وحدهم؛ لأننا نظرنا للعيد بأنه التزام، باستقبال وزيارات، بأنه ما تأخذه، لا ما تمنحه!! لم نرَ أنفسنا في عيون الأطفال الفرحين بقدوم العيد، وباستعراض ملابسهم، وبأحلامهم الصغيرة بما سيجنونه من عيديات تحقق لهم إشباع غرائزهم الفطرية في شراء ما كانوا يطمحون إليه، لم نرَ العيد بعيون كبارنا، الذي يفرحون لفرح الصغار، واجتماع الأسرة من حولهم، ومنحهم جزءًا يسيرًا من حقهم، فرحهم بأنهم مازال هناك من يذكرهم، ويقتطع جزءًا من وقته لرؤيتهم والسلام عليهم، ومؤانستهم، تغير العيد لأننا نريد أن يعيشه بطريقتنا الخاصة، ولنا وحدنا!.
العيد فرصة لنا لإظهار القيم الإنسانية، المتمثلة بالفرح الجماعي، والصدقة، وصلة الرحم، والتسامح، والبذل والعطاء، فالابتسامة الصادقة، والكلمة الراقية، هما خير ما يبذل في كل وقت، ولكن في العيد لهما معناهما الراسخ في وجدان من يستقبلهما، ما زلت أتذكر وأردد كلمات جميلة قيلت لي في العيد في طفولتي، فالكلمة الجميلة غرس ينمو في النفس، ويثمر بعد حين، وهي مناسبة خاصة لها أهميتها وأثرها القريب والبعيد لإلقاء التحية وكلمات التهنئة لمن عاش معنا وبيننا لحظات العيد بعيدًا عن أسرته وأطفاله، وكل أمانيه أن يقضي هذه الساعة التي لا نقدرها قدرها بقربهم.
تذكروا أن العيد في حقيقته هو عيد القلب؛ فإن لم تملأ القلوب المسرة، ولم يترعها الرضا، ولم تعمها الفرحة، ولم نتشاركها مع من حولنا، كان العيد حدث عابر ومجرد رقم على التقويم، ولكم حرية الاختيار.
قلت لصاحبي:
“لا تقتل المتعة يا مسلم”، وكل عام وأنتم بخير.
0