د. عبدالله العساف

عرب الشمال وعقدة البدو

قال صاحبي: هل البداوة، والجمال والخيام، سُبة؟ لماذا يحاول البعض استنقاصنا ووصفنا بالبداوة، وهي محل فخرنا واعتزازنا وخلدها موروثنا الثقافي، ولم ولن نتخلى عنها، هل هو جهل وإفلاس فكري؟ ماذا نستفيد من حادثة الأمس، وهل الاعتذار يكفي، وهل ننسى، وماذا يجب علينا عمله؟!

عندما شاهدت أحد البرامج التليفزيونية، وكان ضيفاها العزيز سلمان الأنصاري، والآخر شربل وهبه، وزير الخارجية المؤقت في لبنان، قفزت إلى ذهني أشياء كثرة، تزاحمت وتصارعت، كلها تريد الرد على حماقة وزير الغباء كما وصفه النائب نهاد المشنوق، ولا يهم الآن تبريرات وتبرأت حكومة حزب الله من وزيرها المفلس فكريًا، وأخلاقيًا.

مفلس فكريًا؛ لأن العرب تقول إذا أرسلت في حاجة فأرسل حكيمًا ولا توصه، ومن قراءتي لحديثه تبين لي أنه لا يعلم أن هناك حكمة، ودبلوماسية، يتعامل بها الدبلوماسيون في أحادثهم، وسلوكهم، وبأن كل ما يصدر عنهم، يُمثل بلدانهم، ويعبر عن سياستها، لذا فالدول تحرص على توافر مواصفات خاصة في اختيار من يمثلها، -أقول الدول- وأما المليشيات فحدّث ولا حرج فهذه العينة هي أفضل ما لديها لتصدرها على هرم الدبلوماسية، وإذ أفلس المرء فكريًا، فسوف يفلس أخلاقيًا بلا شك، فالأفكار هي رداء السلوك، وإذا كان الفكر عاريًا، أصبح السلوك كذلك.

البدو، هذه العقدة أصبحت ملازمة لبعض السياسيين، والأكاديميين، والإعلاميين والحمقى -وما أكثرهم – في دول ما يعرف بعرب الشمال، عند الحديث عن الجزيرة العربية وأهلها، وهي لغة سادت ثم بادت في سنوات ماضية، ولكنها تعود بين الحين والآخر كلما أعيتهم الحجة، وارتفع منسوب الحقد لديهم، وأحيل القارئ الكريم لما كتبه الدكتور/ سعد الصويان عن هذا الموضوع، بلغة علمية رصينة، تضع النقاط على الحروف، وتبين كف نشأ هذا التصور المنحاز عن البداوة – عرب الجنوب- والعوامل التي ساهمت في تكريسه.

البدو، تذكرت قصيدة الأمير عبد القادر الجزائري (1223- 1300)، في البادية، ووجدتها؛ وكأنها كتبت لترد على ما تفوه به الوزير المؤقت، وأمثاله، وتلقمهم حجرًا، والحجر أغلى وأثمن منهم، يقول رحمه الله:

لا تذممـنّ بيوتـًا خـفّ محملـهـا
وتمدحـنّ بيـوت الطيـن والحجـر
لو كنت تعلم ما في البـدو تعذرنـي
لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
وإن أسـاء علينـا الجـار عشرتـه
نبين عنـه بـلا ضـرٍّ ولا ضـرَر
سفائن البـرّ بـل أنجـى لراكبهـا
سفائن البحر كم فيهـا مـن الخطـر
شرابها مـن حليـبٍ مـا يخالطـه
ماء وليـس حليـب النـوق كالبقـر
ما في البداوة من عيـب تـذمّ بـه
إلّا المـروءة والإحسـان بالـبـدرِ

ماذا يجب علينا، يجب علينا فعل الكثير، فالأمر ليس مجرد كلام، بل هو عداوة ظاهرة؛ لذا وجب علينا اتّخاذ مواقف مشرفة، والانتصار لتاريخنا وقيمنا، وثقافتنا وأمننا، بتطهير إعلامنا، ومؤسساتنا بشكلٍ عام، من كل من يسيء لنا، واستبدالهم بأبناء الوطن، المتسلحين بالعلم، والمعرفة، والأهم الانتماء والولاء.

قلت لصاحبي:

﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button