أسامة زيتوني

متى يعجز الكاتب عن الكتابة؟

أحيانًا يجد الكاتب نفسه عاجزًا عن الكتابة لأسباب قد يجهلها هو نفسه، فهناك أوقات تمر عليه لا يستطيع فيها الإمساك بالقلم على الإطلاق، أو بمعنى آخر يشعر بأنه أصبح خاويًا تمامًا، وليس لديه ما يقوله، بل ولا رغبة له في الكتابة، ومع ذلك فهو لا ينتبه إلى هذا الأمر، ولا يأخذه على محمل الجد، بل وقد لا يخطر على باله أصلًا، فبعد مرور فترة طويلة يكتشف بأنه لم يكتب !!
ربما يكون هذا الأمر طبيعيًا، فبكل تأكيد هي أوقات قد يمر بها كل كاتب خلال فترة من حياته يتوقف فيها عن الكتابة، فحالة التوقف عن الكتابة لا تقتصر على كاتب دون غيره، فهي تقريبًا حالة عامة تصيب كل الكتاب، وحتى الأدباء قد يمرون بنفس الحالة، فبعض كتاب القصص والروايات يتوقفون عن الكتابة لفترات طويلة قد تصل إلى عدة سنوات، بل والبعض قد يتوقف نهائيًا، وهناك نماذج من روائيين عالميين توقفوا عن الكتابة بعد أول رواية يكتبونها بالرغم من نجاحها.
وفي اعتقادي بأن الأمر ليس مجرد ملل أو تعب، فبالتأكيد هناك أسباب لهذ التوقف، قد يعلمها الكاتب وقد لا يعلمها، ففي كثير من الأحيان يشعر الكاتب أنه فقد القدرة على الكتابة، أو أنه يواجه سدًّا يحول بينه وبينها، وأنه لا جدوى من الكتابة بالنسبة إليه، وأنه لم يعد يستوعب ما يدور حوله، وغالبًا ما يكون ثمة أسباب وراء هذا الشعور، ربما لأن الأحداث أصبحت أكثر خيالية بالنسبة إليه مما يتوقع، وربما تسببت له في صدمة، وربما لأنه لم يعد يجد أفكارًا أصيلة تتناسب مع توجهاته ومبادئه، فالخطب جلل، فكل ما يدور حوله أصبح يصيبه بالذهول، ويجعله عاجزًا عن وصفه، فالبعض لا يستطيع مجاراة التغيير المستمر والمتسارع في إيقاع الحياة، أو ربما لخوفه من الانتقاد ومن طرح الأفكار التي يعتقد بأن الناس قد ينتقدونها، فقد يتغير الزمان، وتتغير الحياة، فما كان مقبولًا يصبح مرفوضًا، وما كان مرفوضًا يصبح من المسلمات، في حين أن الإنسان لا يستطيع الانتقال بأفكاره بهذا الشكل المتسارع الذي تجاوز تراثه وفكره، ونظرته للأمور لم تعد تستطيع استيعاب ما يدور حوله بسبب إحباط نفسي أو ثقافي، والبعض ينشد الكمالية، ويحاول أن يجعل كل ما يقوله مثاليًا، وبالتالي فهو لن يعود أبدًا.
أيًا كانت الأسباب يحتاج عقل الكاتب المتوتّر إلى الاسترخاء، وفكّ هذه القيود التي استجدت عليه، قبل الخروج من هذا المأزق، ليتدفق الإبداع من جديد، فلكي يعود للكتابة يجب أولًا أن يكتشف أسباب هذا التوقف ويبحث عن علاجها، وأن لا يكره نفسه على الكتابة، فإن لم يكن ثمة إلهام فكري فلا جدوى من المحاولة، والعكس صحيح، فإن حضر الإلهام فسينهمر الكلام دون عناء، فالإمساك بالقلم والتحديق في الصفحة البيضاء دون إلهام لفترات طويلة ليس حلًا، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية، يقول أبو الفتح البستي:
إذا انقاد الكَلامُ فقُدْهُ عَفْوًا * إلى ما تَشتَهِيهِ مِن المَعاني
ولا تُكرِهْ بَيَانَكَ إنْ تأبَّى * فلا إكراهَ في دينِ البَيَانِ
فإذا عجزت عن الكتابة، اشغل نفسك بالقراءة، فللقراءة دور مهم جدًا وهيكليّة أساسية يُبنى عليها ما بعدها، ثم بعد ذلك ربما يعود الإلهام إلى ذهنك وقلبك دون تكلف، وإلّا فعليك الاعتراف والإصغاء للواقع، وأن تكون صادقًا مع ذاتك، ولا تكابر، فربما خلقت لتكون شيئًا آخر !!!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اتفق مع ما أشار إليه الكاتب فالعقل البشري له طاقة محدودة ويتأثر بالعوامل المحيطة به
    وعلى قولة الاخوة المصريين مخه متربس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى