المقالات

الأعياد تتفاوت

لمّا تزامنَ معْهُ بعدُ مقرّبٍ

لم يبق لي بفِراقِهِ أعيادُ..

لكلٍ منا عيده، أو لنقل عيد مضاف إلى العيد الجامع، وبعيداً عن مشروعية الفرح واستشعار قداسة تلك الساعات وهي مطلب ولا شك، لكن خلف ما نعلم هوة للأخر لا نعلمها، وكثير ما يتجاذب النقاش نفسه في نقد الزاهدين بتلك الأعياد، وتأخذ بعضنا حمية على التشريع أكثر من التشريع ذاته، وكعادة الجهل إذا اجتمع مع النقد.

ليالي العيد التي نحب هي ذاتها ليلة فقدِ حبيب، وفراق صاحب، ووداع أريب، وهي ذاتها ليالي تجمع المرضى بأجهزتهم، ويعانق المعتل سريره الأبيض، وتزداد معه الشفقة على ذاته باستشعار ما يعيشه الكثير وما يعيشه هو.

العيد فرحة لمن يملك أسبابها، وغصة مؤلمة لمن تتزامن دقائق عيده مع ذكرى تفتتُ فؤاده، وتنهك روحه، فإن ملكتَ أسباب الفرح فاحمد الله، واستغنم أوقاته، وأظهر الفرحة بالقدر الذي لا يسقطك، وقبل أن تُنظّر عن مشروعية الفرح وطقوس الأعياد التي راعاها الشارع وحثت عليه السنة- قف قليلا-ً باستذكار واقع آخر غير الذي تعيش لذات اللحظة ونفس التوقيت.

لست هنا لبعث التشاؤم، وليس ذلك لي بخلق، بل على العكس، ولكن استفزني حقيقة بعض من اصطف معه واقعه، وتعاون معه حظه وقدره وكتب الله له عيشاً هنياً ولحظات مشرقة، -وليتها تدوم- ولكن حين استمرأ الأعياد بتلك الظروف فبدا يعيب على من لا يعيش العيد بكل تفاصيل الفرح، بل ويجرّم هذا، ويلوي أعناق الأحاديث ليخبرنا أن العيد فرحة لا تقبل النقاش، وابتسامة لا تقبل التضليل، ويتعجب بكل صفاقة من ذلك الذي لم يظهرها ويتباهى بالأنس، ولم يعلم المسكين أن خلف تلك الابتسامات الثقيلة كم هائل من الحزن، وغيض فائض من الألم.

أحدهم يقول: لا أستعذب البكاء إلا في ليلة العيد ولا يستفزني الحزن إلا بمزامنته، وليس تجهما وسوداوية، ولكن ببساطة وفي أحد تلك الأعياد بل وفي ليلة عيد تشرئب لها الأعناق فقدتُ أعز ما يجمّل دنياي وهي (أمي)، والآخر فقد ثلثي عائلته في حادث تزامن مع ليلة عيد بهية، فهل يُلام هذا أو ذاك في أن تكون ليلة العيد ذكرى متكررة لصورة مأساوية مظلمة.

الحمدلله على أقداره، وعلى أي حال، وبكل الوجوه، وخلف جهلنا بالأقدار خير تستصعبه أفهامنا، ولا تدري أي خيرٍ حصل، وأي شر رحل، ولكن ما يهمني أن تجعل لكلٍ مساحته، وألا تستعجل الحكم وإنْ تضافر القدر ليسعدك ربما ليس الحال كذلك مع الأخرين.

ختاما…. لا تسلط مثاليتك فيما ينبغي ومالا ينبغي، فتحكم على واقعك وتجعل حكمك كالسراط الحق ومعيار الصواب والخطأ.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button