كل كاتب مقالة، أو مؤلف، أو مهتم بشكلٍ أو بآخر بالكتابة، المهتم بأنماط الكتابة المختلفة، يمر بمرحلة القبض على قلمهِ ممتعضًا؛ خلو أوراقهِ من جريان سيل الأفكار، إنها أقسى حالة ذهنية، نفسية، يمر بها الكاتب فتلك الحالة تسمى (حُبسة الكاتب)، وتتمثل في عشرات الأفكار التي لم تترجم لكلمات على أسطر الورقة البيضاء الناصعة، فتلك الأفكار تخنق العقل الباطن والظاهر، ولا يجد الكاتب السبيل لخروجها، ولا يوجد كاتب في العالم قديمًا أو حديثًا إلا ومر بهذه الحالة، لكن هناك من استطاع تجاوزها ويعود الفضل لممارسة، فالمتمرسون والممارسون؛ هم فقط من يمكنهم تجاوز ذلك، فهناك من توقف عند تلك الحُبسة التي يود الكاتب أن يصب جام غضبه عليها، ويعبر عنها بكلمات لا أستصيغ كتابتها، فهناك من المؤلفين والكتّاب من توقف عندها، وربما صرف النظر عن مشروع الكتابة برُمتها، بسبب تلك الحُبسة إلى غير رجعة، ظنًا منه أنه لا يستطيع مقاومة عقله المتحجر عند الكتابة، وأن الموهبة تجرّدت منه، فتلك الحالة تجعلك مكتوف الفكر والأيدي أمام الورقة والقلم.
حُبسة الكاتب: الحُبسة في اللغة؛ هي ثقل في اللسان، وتعني وجود مشكلة في وظيفة أو أكثر أساسية في عملية النطق. لا يستخدم هذا المصطلح عادةً إذا كان المرض نتيجة لضرر في الجزء المحيطي الحركي أو الحسي، فأسوأ حالة يمر بها المبدع؛ حين يواجه تباطؤًا في عمله الإبداعي، وصعوبة تدفق الأفكار، وتتراوح شدة الحالة بين صعوبة المجيء بأفكار أصلية إلى عدم القدرة على إنتاج عمل أدبي يُشار إليه بالبنان ويلقى الإعجاب.
“هذه الحُبسة يمكن أن تكون ثُقل شاق على الكاتب والمبدع، وغالبًا ما تؤدي به إلى فترة طويلة من السُبات الممل لا يأتي فيها بأي شيء جديد، وتكون سببًا لتتدهور حالته المزاجية وقد لا أبالغ القول؛ حين يبلغ هذا التأثير لحالته الصحية”
“سُئل ذات مرة الكاتب الأمريكي / أرنست همنغوَاي.
س. ما الذي تراه أفضل تدريب فكري لمن يريد أن يكون كاتبًا؟
ج. لنقل إن عليه أن يخرج ويشنق نفسه لأنه يكتشف أن الكتابة بشكل جيد صعبة إلى حد الاستحالة، بعد ذلك عليه أن يقطع نفسه دون رحمة، ويجبر نفسه على الكتابة بالجودة التي يستطيع بقية حياته، على الأقل ستكون لديه قصة الشنق ليبتدئ بها‘‘.
– عذرًا؛
فإن الكاتب مزّق العديد من الأوراق، وعصر بين أصابيعه القلم، ليخرج بفكرة جديدة، فالحُبسة صعبة التغلب، وبلغت ما بلغت من الشدة، فوصف الحالة قد يُبيح العذر له عن فترة الغياب التي طالت رغمًا عنه في الفترة السابقة.
