يقول الأديب والمفكر الألماني يوهان غوته: “الذي لايعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة يبقى في العتمة”.
غالبًا ما نجد المتحدثين عن الماضي وعن قصص بطولاتنا، يُبرزون الجانب الإيجابي ويصورون للمتلقي أن تلك الدول العظيمة عاشت فترة قوة وسيطرة؛ وعز وتمكين، وكيف أنّا كنا يدًا واحدة متحدين في دولة واحدة متمكنين في الأرض باسطين نفوذنا في الشرق والغرب، مما ولّد لدى الكثير منا فكرة أن الدول السابقة هي دول أفلاطونية لايوجد بها سوى الخير والجمال، لكننا حينما نقارن بين ماضينا التليد وواقعنا المؤلم نلوم أنفسنا ونتحسر على ماوصلنا إليه، وفي الغالب كل ما تكالبت علينا الهموم استحضرنا نظرية المؤامرة وعدنا للماضي مستظلين بسيرة الأجداد مستذكرين عزنا، وكيف أصبحنا بعد ما أمسينا!
(وحتى تتضح الرؤية أكثر، يجب علينا العودة إلى حقائق التاريخ؛ لنعود للواقع ونتخطى مرحلة جلد الذات)
فمن المفارقات حينما نقلب صفحات التاريخ ونتدبر ما كتب فيها؛ نجد أن الدول الإسلامية لم تكن دولة واحدة- وإن كانت في بدايتها كذلك – بل كانت في بعض الأحيان تتناحر فيما بينها، وكما نعلم جميعًا بأن من نتائج الحملة الصليبية الثانية؛ استرداد القدس بجيش صلاح الدين فيما يعرف بمعركة حطين، وعلى النقيض من ذلك نجد غالبيتنا لايعلم بأن خامس سلاطين الدولة الايوبية أهدى القدس للصليبيين بعد ما تحالف معهم إبان الحملة الصليبية السادسة، وأضاع جهد عمه صلاح!! وأبيه سيف الدين!! والأمثلة لاتقف عند معركة حطين ففي كل عصرٍ من العصور نجد مثالًا…(صفين، الزاب، الجمل، صراعات بني أيوب…الخ).
تلك الحقائق التي حُجبت عنا تجعلنا نشعر بحنين للماضي (نوستالجيا) لزمن مستحيل، حتى وإن لم نكن عشناها، وللأسف الشديد تقديسنا للماضي إنسانًا أن نعيش حاضرنا، وسيهدم بكل تأكيد مستقبلنا مالم نتنبه لخطره، ونكون كما قال الإمام الشافعي-رحمه الله-: “نعيب زماننا والعيب فينا..وما لزماننا عيبٌ سوانا”، ولو أننا تقبلنا تاريخنا بإيجابياته وسلبياته واستحضرناه كما هو دون مبالغة، لكنا أفضل مما نحن عليه اليوم، إن رجوعنا للماضي شيءٌ جميل، ولكنه سيصبح أجمل لو أننا استحضرناه بكل تفاصيله؛ بلذة الانتصار ومرارة الانكسار.
إن قراءتنا للتاريخ لاتجعلنا ننساق خلف أفكار وهمية أو ثورات همجية بحجة أن دولنا لابد من أن تكون دولة واحدة، والعشر سنوات الماضية خير دليل؛ ثم إن التفكر عند قراءة التاريخ ووضعه على منضدة العقل؛ والتقييم غير المتحيز يقينا من مغبة تشكل الوهم كأيديولوجية تعمي أبصارنا وبصائرنا عن الحقيقة.
يقول المفكر حسين أحمد أمين -رحمه الله-في كتابه “كيمياء السعادة”: إن جهل الغالبية بالتاريخ يسهل على الناس تزييف الماضي فلو عدنا إلى الماضي بملابساته الحقيقية بعد تقديسه وتفخيمه لأصابتنا خيبة أمل عظيمة”.
العجيب في الأمر أنه خلال أي نقاش في ذلك نجد بعضًا من الذين تجذرت قصص المتحدثين في عقولهم معارضين وبشدة للتشكيك في الأمر، بسبب الحالة الدوغمائية (الجمود الفكري) التي يعانون منها…لست هنا عزيزي القارئ بصدد التشكيك في تاريخنا التليد، ولكن مقالي يهدف إلى كشف المبالغة في ذكر التاريخ ولست بمؤرخ، ولكن قليل من التدبر يكفي حتى لا ننساق خلف شُبهات الظلام، متناسين بذلك ما نفعله الآن وما سنجنيه غدًا؛ ثم نبكي على الأطلال…