كانت المرحلة الثانوية على وجه العموم تُعتبر جسر العبور الرئيسي لدخول الجامعات والمعاهد العليا والكليات؛ فهي خاتمة وتتويج لاثني عشر عامًا من السنوات الدراسية التي مرّ بها الطلاب والطالبات بدءًا بالمرحلة الابتدائية ثم المرحلة المتوسطة وانتهاءً بالمرحلة الثانوية التي تُعد مرحلة الصف الثالث الثانوي منها على وجه الخصوص نهاية لمشوار التعليم العام؛ حيث كانت الوزارة تعقد في نهايتها امتحانًا موحدًا على مستوى المدن والمحافظات والقرى؛ لتخرج بعد ذلك نتائج تلك الاختبارات المصيرية عبر الصحف والإذاعات، وتُقام بعدها الأفراح والمناسبات وتختلط فيها دموع الفرح بالابتسامات، مع الشعور بأن سهر الليالي وتعب الأيام لم يذهب سُدى رغم كل الصعوبات.
إلا أنه في السنوات الأخيرة اُغتيلت شهادة إتمام المرحلة الثانوية على يدي مراكز اختبارات القدرات العامة والتحصيلية التي أصبحت سيدة الموقف؛ فأفقدت اختبارات الثانوية العامة بريقها ونجوميتها وقيمتها، وأصبحت تمر على الطلاب وأسرهم؛ وكأنها مجرد تحصيل حاصل لحصاد ثلاث سنوات من المذاكرة والسهر وأداء الواجبات والبحوث والمشاريع؛ فتناقصت بهذا التغيير القيمة المعنوية للشهادة الثانوية؛ حيث نشأ هذا التغيير تحت ذريعة القضاء على رهبة الاختبارات فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير؛ حيث لم يعد هناك من يعبأ بها، كما كانت عليه الحال قبل عشرات السنين حيث كان في ذلك الزمان يعد الحصول على الثانوية العامة إنجازًا وفخرًا عظيمًا.
ومع أن تطوير أنظمة التعليم ما قبل الجامعي وإصلاح بنيته وسد الثغرات التي تقف في وجه تطوره، تعتبر ظاهرة صحية جيدة وخطرة مهمة لمواكبة كل جديد في مجال التعليم، وكذلك السعي إلى رفع جودة التعليم إلا أن أنظمة القبول في الجامعات جعلت لشهادة الثانوية العامة نسبًا متدنية تقدر ما بين 10% في المئة إلى 30% في المائة فقط من النسبة الموزونة المطلوبة للالتحاق بمختلف أقسامها وتخصصاتها، ورجحت كفة الاختبارات التحصيلية والقدرات بالإضافة إلى ما تخصصه بعض الجامعات من اختبارات خاصة بها مع العلم أن هذه الاختبارات شهدت إخفاقًا كبيرًا من قبل الطلاب والطالبات في هذه المرحلة المهمة من حياتهم وذلك لأسباب كثيرة يعتبر أهمها الفجوة الكبيرة بين أسئلة المركز الوطني للقياس والتقويم ومحتوى المناهج الدراسية الذي لا يتواكب مع تلك الاختبارات؛ فالعديد من المواد التي يدرسها الطلاب في هذه المرحلة يغلب عليها الحشو الذي أرهق كاهل الطلاب والطالبات وشتت أذهانهم، مما يجعلنا نطلق سؤالًا تتبعه صرخة مدوية هل بقي للشهادة الثانوية ما تعتز به؟! وهل كل هذه الاختبارات لعدم ثقة جامعاتنا في مخرجات التعليم العام والمسؤولين عنه ؟! أم أن هناك خيوطًا تنسج في الظلام تبيع للطلاب وهم الأحلام ؟!
وهنا أعتقد بل أجزم بأن معظم الإجابات عن الأسئلة السابقة ستكون بكل شفافية أن شهادة الثانوية العامة، ومعها كل سنوات التعليم الثلاث قد فقدت قيمتها العلمية تمامًا، وأصبحت مجرد أرقام في عمر الحياة، ولا مبرر لوجودها.
وختام القول فإن إهدار ثلاث سنوات من عمر الطلاب والطالبات خلال المرحلة الثانوية، ومن ثم إرهاق كواهلهم وجيوبهم باختبارات المركز الوطني للقياس والتقويم يُعد إجحافًا في حقهم كون شهادة الثانوية نتاجًا لسنوات دراسية طويلة مما يستوجب إعادة النظر في النسبة المقررة لها بعد التخرج، وجعلها ذات أهمية وقيمة من حيث رفع معدل النسبة لها عند التقديم الدراسي أو الوظيفي؛ لتستعيد مجدها وصداها في نفوس الحاصلين عليها من الطلاب والطالبات ليكونوا رافدًا من روافد التطور والتقدم الوطني.
وخزة قلم:
اختزال جهود ثلاث سنوات في اختبار مدته ثلاث ساعات يُعد هدرًا للأموال وعبثًا بالقدرات.