بينما يسابق العالم الزمن، محاولًا ملاحقته فيما يخرج علينا كل يوم بما لديه من جديد في ظل عالم متغير سريع، يفاجئ العالم بهجوم عجيب مريع، حير العقول والأفهام، وأربك الحسابات لجميع الأنام، وزاد من غرابته عدم معرفة حقيقة أسبابه، ولا كيفية التخلص من آثار أنيابه، فكأنه عدو هجم بليل والناس نيام، فعطل أعمال الناس الخاص منها والعام.
وفي هذه الحيرة منذ ما يزيد عن العام يعيش العالم في خطر، ولا يزال فيروس كورونا يواصل هجومه على البشر، ويستنزف من النفوس والأموال ما فاق الصور، وألحق بكافة مجالات الحياة أكبر الضرر، فقد أصاب أيضًا كثيرًا من أفكار الناس في كافة مجالات الحياة وأنماطها ومنها المجال التعليمي بأعظم الأثر.
لكن كما قالوا: رُبَّ ضارة نافعة؛ حيث أصبحت المعرفة متاحة للجميع في مراحل التعليم الأولى حتى الجامعة، وذلك من خلال شبكات الإنترنت، وعبر برامج التعليم عن بُعد، وقنوات الاتصال العالمية، والدورات التعليمية والتدريبية. ووجدت المؤسسات التعليمية نفسها في مواجهة تحديات تتطلب تفكيرًا عميقًا، لمواجهة منتجي المعرفة الجدد ويمهد للخروج من الأزمة طريقًا.
ودخلت المؤسسات التعليمية في حالة من الاضطراب، وقابلتها مجموعة كبيرة من الصعاب، حيث تجاوزت المطالب قدرتها على الاستجابة، ووجد الجميع نفسه كأنه في غابة.
ومع كل ما سبق فيظل التجديد التربوي وتحديد سماته ومقوماته في عصر متغير مطلبًا متجددًا في ظل التغير المتجدد السريع، حيث يجب أن يكون التعليم ممكنًا وسهلًا للجميع، وأن يكون محققًا لاحتياجات المجتمع الاجتماعية والمهنية والثقافية والاقتصادية، عن طريق الأخذ بنُظُم التعليم المستمر، وبناء القدرة لدى المتعلم على التعلم الذاتي الحر، لربط التعليم بالحاجات، وتجديد تقنيات التعليم بشكل مستدام؛ ليساير التطور التقني المتغير على الدوام.
من أجل ما سبق تُعْنى دول العالم بتطوير نُظُم التعلم والتعليم والتغيير، وتقدم لأجل ذلك مشاريع مناسبة لتحقيق التنمية والتطوير؛ لتحقيق الارتباط بين مخرجات التعليم، وبين النهضة الشاملة بجوانبها المختلفة، مما يستدعي أن تكون مشاريع التطوير عنصرًا أساسيًّا من عناصر الفكر التنظيمي لوزارة التعليم، لتلحق بما يستجد في ذلك ما يناسبه من القديم.
وتتأكد الضرورة الملحة لمشاريع التطوير مع ظهور اتجاهات حديثة في الاقتصاد العالمي، تقوم على الاستثمار الأمثل لرأس المال البشري؛ لتحقيق القفزات الاقتصادية في ضوء التنافسية العالمية، عن طريق التدفق الغزير للمعرفة، وتشجيع الإنجاز والابتكار الفكري، والقدرة على الاستخدام الأمثل للمعرفة، وتوظيفها بكفاءة وفاعلية لتحقيق النمو الاقتصادي في ضوء الثورة المعلوماتية والتكنولوجية.
إنَّ التطوير في المنظمات التربوية أكثر أهمية وحساسية من المنظمات الأخرى؛ لكون المؤسسات التعليمية مؤسسات صناعة رأس المال البشري للمنظمات الأخرى، ولذلك فقد تنوعت وتعددت الفلسفات المعنية بصناعة التطوير في المؤسسات التعليمية.
وإن صياغة مشاريع التطوير لأي نظام تعليمي تستلزم فهم الواقع فهمًا عميقًا، وتشخيصه تشخيصًا دقيقًا. وتجدر الإشارة إلى وجود بعض الإيجابيات التي تطمئن بأن هناك فرصًا وفيرة لنجاح هذه المشاريع، ومنها: الالتزام الجاد لصناع القرار لتحسين مخرجات التعليم والنهوض به لوعيهم بالأثر العظيم لصناعة رأس المال البشري الفاعل والمنتج في المؤسسات التعليمية؛ بالإضافة لوعي القادة بأهمية وضع خطط طويلة المدى وتحديد أهدافها ووضع مؤشرات إنجاز محددة كرؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠، ولقد حرصت وزارة التعليم وهي تضع الخطة الاستراتيجية ٢٠٣٠ على تقديم نظام تعليمي يتميز بالكفاءة والفاعلية، ويشارك في مسيرة التنمية للمملكة مواكبة الظروف العالمية، مع التركيز على ما يعزز المكانة العالمية للمملكة، وهي تمضي بخطى سديدة، لتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة؛ لتكون بلادنا أنموذجًا رائدًا، ومثالًا قائدًا راشدًا.
فهل وضعت التجربة التي مر بها نظام التعليم خلال أزمة كورونا في الحسبان؟ وهل تم تحوير المحن إلى منح؟ نرجو ذلك.
مشرفة تربوية بإدارة جدة
باحثة دكتوراة في الإدارة التربوية بجامعة أم القرى