الملامح حادة..والمشاعر مستثارة.. والوجوه مستفزة.. بدأت الأصوات الخافتة تعلو وتحتد..صرخا، وتبادلا العديد من الألفاظ الجارحة..بدا وكان كل واحد منهما غير مستعد للتنازل..خلال التلاسن الذي خيّم على المكان تأتي كلماتها قوية قاطعة..كما تقابلنا بالمعروف ننهي علاقاتنا بالمعروف..كاد يهوي بكفه على وجهها ليسكتها..ولكنه ثاب إلى رشده في اللحظة الحاسمة..ورد عليها بهدوء أنا لم أكذب عليك، ومنذ البداية صارحتك بظروفي..
__ردت عليه نعم أعرف..ولكنني لا أستطيع أن أعيش مع أهلك تحت سقف واحد بعد اليوم..
رد عليها وهو لايزال جالسًا لم أكن أعرف أنك قاسية إلى هذا الحد..
قالت وهي تمسك بحقيبة يدها تتهيأ للوقوف..الظروف تغيرت..وسأغادر إلى بيت اهلي..وغادرت
مضى أكثر من شهرين على غيابها عنه..تعاطفت أمها معه ..وحاول والدها أن يصلح بينهما، ولكنها رفضت كما رفضت كل وساطات الأهل والأصدقاء..
كانت الساعة تقترب من الساعة الثامنة مساءً..بعد عشر دقائق يغادر مقر عمله..فجأة رن جرس هاتف المكتب رنينًا متواصلًا قويًا ..
اللهم اجعله خيرًا..من ذا الذي يمكن أن يتصل به في هذا الوقت..عبر سماعة التليفون جاءه صوتها ضعيفًا ولكنه واضح ..اعرف أنك لازلت في المكتب كعادتك حين تعود إلى المنزل متأخرًا..ثم أردفت بنبرة آمرة..أريد أن أراك الآن لننهي مشكلتنا العالقة..مرت لحظات قبل أن يجيبها..أحيا صوتها في داخله كل المشاعر والأحاسيس..ومرّ من أمام ناظريه شريط سريع لحكايتهما معًا بحلوها ومرها..
أجابها سأغادر المكتب بعد ثوانٍ..هل ترغبين أن أمر عليك بسيارتي ونذهب سويًا إلى أي مكان تختارين ..
قالت..موافقة ..لنذهب إلى كافيتريا الفندق الذي شهدت قاعة أفراحه ليلة زفافنا..
قال لها اتفقنا ..لم يكن يعرف أن للطريق أشواقًا..وأن الأماكن يمكن أن تتذكر بحزن عميق لحظات الفرح والبهجة العابرة..
دق قلبه بعنف وهي تصعد إلى السيارة بجواره..يسبقها عبير عطر أخاذ طالما أحبه..أسكرته رائحة عطرها..قال لها مبتسمًا إنني منحاز لعطر الياسمين؛ لأنه يتسامى على بقية العطور الأخرى..
قالت في فرح وسرور طفولي شجرة الياسمين التي زرعتها أورقت..مسحت بكفيها على خديه تأملت وجهه المدور..هزت رأسها ناثرة شعرها إلى الخلف..أخرجت قارورة عطر الياسمين الصغيرة من حقيبتها ورشت على عنقها..
اتكأ على مقود السيارة..مال بجسمه إلى الأمام كي يرى بوضوح..بلا قصد لامست يدها يده ..واختلطتا في عناق..
سارت السيارة في هدوء..كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة مساءً..الشوارع مزدحمة بالسيارات والناس..لم يكن الفندق الذي يقصدانه بعيدًا..ولكنه أيضًا لم يكن قريبًا..فكر في نفسه بمرارة والسيارة تمضي على الطريق ببطء..ذلك اليوم يوم زفافنا كان يومًا جميلًا، ووجوه الأهل والأصدقاء والأقارب من حولنا
سعيدة وكلماتهم تبارك زواجنا وتدعو لنا بالذرية الصالحة..وهاهو اليوم يكاد ينتهي إلى فشل ذريع..لامفر من الاعتراف بالواقع لم يستطع براتبه المحدود أن يوفر لها سكنًا خاصًا كما كانت تحلم مثلها مثل كل البنات..
لقد صارحها منذ البداية أنه سيسكن مع أهله حتى تتحسن الأحوال..وقد قبلت هي بذلك على مضض..
— قالت في نفسها وهي تحبس الدموع في عينيها..لم أكن أتخيل في لحظة أن تنتهي علاقاتنا إلى هذه الخصومة التي تكاد تفرق بيننا..لقد وجدت من أمه وأبيه كل معاملة حسنة..ولكن
وقال لنفسه متنهدًا، وهو يحتويها بنظراته..كانت الأيام الأولى من زواجنا جميلة لايعكر صفوها شيء..السعادة ثمنها بسيط جدا..وفجأة تبدل كل شيء جفت ينابيع الضحك والابتسامات من القلب، وأصبحت السعادة مرتبطة بأشياء عالية الثمن.
قالت لنفسها والسيارة على وشك الوصول إلى الفندق..ما الذي حصل..لقد وعدني ولكنه لم يوفِ بوعده..وتحولت حياتنا إلى عراك وصخب لا ينتهي..هو لايريد أن يفهم أن من حق الزوجة أن يكون لها منزل خاص بها.
– وقال في نفسه..ليتها صبرت قليلًا لربما تغيرت الأحوال للأحسن وبدلًا من الشقة الصغيرة نمتلك فيلا جميلة..ولكنها استعجلت الأمور..
نظرت إليه وقد توقفت السيارة أمام الفندق.. خطوات قليلة، ويدخلان إليه.. اتجهت عيناهما إلى المكان ثم عادت عيونهما فتلاقت في تساؤل..قالت له في كلمات سريعة حانية..مارايك أن تأتي معي إلى منزلنا، وتقابل أبي وأمي وأعود معك إلى البيت..
تردد قليلًا ثم استجاب لطلبها ..عند وصولهما قال اسبقيني وأنا ألحق بك..قالت بل نصعد معًا..اتكأت على جرس الباب بقوة..فتحت أختها الصغيرة الباب ثم صرخت بفرح هذه سميرة وزوجها..سارعت أمها إلى لقائه احتضنته بمحبة وود، وهي تدعو لهما بالهداية والسداد..بينما جاء صوت الأب حازمًا، وهو يقبل رأسه..أرجو أن تكونا فهمتما الدرس جيدًا..غادرا المنزل ثم خرجا إلى الشارع المضاء نصف إضاءة..وضعت يدها على كتفه..احتضنها من وسطها بيده..وركبا السيارة واختفيا وسط الناس..
?روعة لاتعليق