المقالات

متى نعتذر ؟!

كثرت الأنفس التي تحمل الآخرين أعباءً فوق أعباء الحياة، وما تتسم به من منغصات تكدر صفو الكثرين ممن ألجمتهم تحركات العمل، ومزاولة مهام قضاء حوائج أسرهم على مدى ساعات اليوم.. حيث تجد بعض الناس لكلام عفوي لا يتعدى كلمات معدودة، وعبارات مختصرة؛ سمعوها من رفاقهم، يقيم الدنيا ويقعدها، بحجة عدم تنازلهم عن حقهم إلا بالاعتذار، الذي يُعتبر ثقافة يوظف خلالها استقراء المشاعر، واستحضار لغة الكرامة مع التواضع ولين الجانب، والتي هي الأخرى معادلة لا يستطيع وزنها إلا من أوتي حكمة فهم الذات والتعامل مع سلوكيات الآخرين برجاحة العقل وقوة الحجة وسلامة المنطق، من أجل قول “أنا آسف”، التي ربما تقبل أو ترفض، لتسبب حينها صدمة نفسية لدى المعتذر.. لتكتمل عندها منظومة الشحناء والعتامة في العلاقات الإنسانية بين المتخاصمين.

وهنا.. وما بين هذا وذاك، للاعتذار قيمة ومبادئه، كأن نتعرف على شخصية من أخطأنا بالفعل في حقه، وما إذا كان من “الوجيه السمحة” التي لا ترد من أتى إليها محملًا بالاعتذار، الذي تسبقه بشاشة الوجه، وصفو الوجدان.. حتى يكون الاعتذار ذا وقعٍ شديد، في النفس.. ويؤدي إلى محصلته المبتغاة وهو: قبول الاعتذار.
إن ما يفسد العلاقات بين المجتمع وأفراده.. هو الخلط بين الجد والمزح، فلكل واحدٍ منهما، حدوده “زمانًا ومكانًا”، حيث تجد الواحد منا يتحدث بأي شيء، وينطق بالكلمات دون أن يرقب الأثر الذي ستسببه في نفس من يسمعها.. فإذا كان من حقك أن تتحدث، فمن حق الآخرين أن تتولد لديهم ردة فعل قبول ما يسمعونه، أو رده.. وفي هذا السياق يحضرني قول خير البشر صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فل يقل خيرًا أو ليصمت”.
فليس من الضروري أن نتحدث دائمًا.. حتى نزيد من حصيلتنا اللغوية، وموسوعتنا الثقافية، فالصمت بلاغة، وتحكيم العقل مهارة، والسيطرة على النفس قبل أن يرتفع منسوب الغضب لديها سمة وهبها الله في عبادة.. ناهيك عن كونها مبدأ من مبادئ ديننا الإسلامي للحفاظ على تركيبة المجتمع وعلاقاته، وعد إحداث أي شرخ في منظومته الإنسانية.
إن مشاعر الآخرين.. واجهة زجاجية لا بد أن نحافظ على تعاهدها بالنظافة لنرى بريقها دائمًا، ونستشعر حب أصحابها.. وياليت هنا نعتمد على ثقافة “حقك عليَّ.. وأبشر بلي يرضيك”، وعلى الآخر ألا.. يكرر بين الحين والآخر غلطت في حقي حتى لو كان على التافه من الشيء بكلمة، أو تصرف أو موقف من المواقف.. ليطلب الاعتذار، وكأنه بالفعل صاحب حق وأهلًا لمجيء الشخص له معتذرًا..

همسة:
اجعلونا نتعلم أن نزرع الورد دائمًا، حتى وإن لم نقطفه، فسوف حتمًا نستمتع برائحته الطيبة !!، كم سعدنا بِصحبة الكثرين، وانفصلنا عنهم أو فارقناهم بسوء تفاهم، أو بعدم إلمامٍ لما يودون إيصاله إلينا، والجميع بشر يخطؤون ويصيبون، والمعصومون هم الأنباء والملائكة.. حفظ الله أصدقاءنا وأسمعنا عنهم كل خير، في حضورهم وغيابهم.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button