د. عبدالله العساف

هل تعود داعش بحلة جديدة؟

قال صاحبي: ألا تلاحظ عودة تنظيم داعش لممارسة أعماله الإرهابية مع مطلع هذا العام 2021 بعملية انتحارية دامية في ساحة الطيران ببغداد؟، ثم توالت الحوادث التي نسبت للتنظيم، أو صدر بيان من التنظيم يعلن مسؤوليته عنها!! هل غيّر التنظيم استراتيجيته لتلائم المرحلة المقبلة، والأدوار المطلوبة منه؟ أم سيستمر في استراتيجيته القديمة؟ ومن المستفيد من هذا التنظيم؟
أسهمت كثيرًا من العوامل في نشأة هذا التنظيم وتكوينه في عام 2014، مشكلًا خطرًا حقيقيًا على الأمن الإقليمي العربي، ولم تكد تسلم من شره دولة من دول المنطقة باستثناء إيران، التي نسبت إحدى المسرحيات الفاشلة إعدادًا وتنفيذًا وإخراجًا، لهذا التنظيم، من باب ذر الرماد في العيون، ثم تراجعت أعمال داعش في السنتين الأخيرتين من ولاية ترامب، وبحسب التقارير الإقليمية والدولية، تسود هذه الأيام حالة من القلق من تمكن تنظيم داعش من ترتيب صفوفه والعودة مجددًا لممارسة نشاطه، ونشر الاضطراب الأمني، وتجنيد المزيد من الاتباع في ظل تغير أولويات خصومه، وانشغال العالم في مواجهة جائحة كورونا، وتبعاتها ونماذجها المتحورة.
ولأن الإنسان بطبعه مخلوقًا اجتماعيًا يميل إلى العيش وسط جماعة معينة يشعر معها بالأمن والاستقرار والطمأنينة، تشبع لديه غريزة الانتماء، وتبني شخصيته بقيمها، ويتشرب منها المعايير الاجتماعية والخلقية والاتجاهات النفسية المهمة، ويتعلق بأعضائها ويقيم معهم علاقات متبادلة، وحينما لا يستطيع أن يقيم هذا التعلق؛ فإن علاقته بأعضاء الجماعة تتأثر سلبًا؛ فينسحب بعيدًا عنهم، ويعيش في وحدة وعزلة.
وفي وقتنا الحاضر أصبحت تقنيات الاتصال ونقل المعلومات رافدًا أساسيًا، وركنًا مهمًا في بناء منظومة الإنسان الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية والفكرية، في ظل التطورات المتسارعة والمتلاحقة لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، التي ساهمت في تسهيل إمكانية التواصل الإنساني من خلال شبكة “الإنترنت” التي تسببت في ظهور ما يعرف بـ(المجتمع الافتراضي) الذي أصبح له وجوده المؤثر على تفاعلات المجتمع الواقعي الذي نعيش فيه؛ حيث صار بإمكان الفرد أن يتواصل ويناقش مع فرد أو أفراد آخرين دون سابق معرفة بينهم قضايا اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، ودينية وغيرها.
حيث استغلت التنظيمات الإرهابية الثورة الاتصالية في الدعاية لها، بما تمتلكه هذه الوسائل من مزايا نسبية لا تتوافر في غيرها، ساهمت في تحقيق هذه التنظيمات لأهدافها سواء ما يتعلق منها بنقل آرائها ومعتقداتها، أو استخدامها كوسيلة للتجنيد الإلكتروني، والتوجيه الفكري، والتدريب والتمويل المالي بعيدًا عن الرقابة والملاحقة الأمنية، من خلال خمس محطات يمكن الإشارة إليها سريعًا على النحو التالي:
المحطة الأولى: في هذه المرحلة يتقمص المجند صفات النماذج التي يتم تعريضه لها من خلال الصور، ومقاطع الفيديو وغيرها؛ حتى يبدأ هذا المجند بالانتماء العاطفي للتنظيم.
المحطة الثانية: السعي لعزل المجند (المستهدف) عن محيطه الاجتماعي.
المحطة الثالثة: تُشكل منعطفًا مهمًا وخطيرًا في سلسلة التجنيد، وفيها يتم تعريض المجند للصدمة الشرعية لبناء المكون الفكري (الانفعالي).
المحطة الرابعة: وهي مرحلة إثارة الشبهات: ويمكن تسميتها بأدبيات الإرهاب، من خلال استحضار التنظيم الإرهابي نصوصًا وتراثيات ومشاهد تاريخية ثم يقومون بتوظيفها بمهارة في غير محلها الصحيح؛ لتأصيل وتبرير العمليات الإرهابية.
المحطة الخامسة: وهي محطة اللا عودة مرحلة الهجرة، واللحاق بطلائع الأمة، وعدم “القعود” مع الجهلة العوام والمنافقين والكفار.
ولا تسأل بعدها عمّا يحدث للضحية عندما تطأ قدمه المناطق التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي.

قلت لصاحبي:
ثمة تخيلات في العقلية العربية عن هذا التنظيم بأنه مجموعة من المرتزقة، أو شركة عابرة للقارات تخدم أهداف ومصالح القوى الكبرى، على غرار الشركات العسكرية التي تقدم خدماتها للجيوش الغربية، ولكن بصورة مستترة، أو أنها نبتة سامة زرعتها أجهزة المخابرات، وجنت ثمرتها بطريقتها الخاصة، لإلحاق الضرر في أمن واستقرار لمنطقة العربية، ومعتقدها الديني.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button