المقالات

الأمير وأقصر خطاب في التاريخ الحديث

ليس من باب المقارنة بالأشخاص ولكن من باب الاستشهاد بين الأزمان بأن لكل زمان رجال يضعون في التاريخ بصمات تقاس بقوة البصيرة والفطنة والذكاء والحنكة والبلاغة الخارقة ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة الذي أعطي جوامع الكلم وهو الذي روي عنه أحاديث كثيرة وقد خطب في قومه بخطب كانت الأقصر والأبلغ ومنها خطبة حجة الوداع في عرفة في السنة العاشرة من الهجرة التي ضمت بين بدايتها ونهايتها متناً جمع فيه مقاصد الشريعة الإسلامية بأكملها في أبلغ بيان شهده التاريخ الإسلامي والعالمي ، وكانت ولم تزل القاعدة الأساسية التي شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء بأنها جامعة شاملة للتعامل بين البشر وأنها وثيقة حقوق الإنسان التي تعتبر منهج حياة لكل زمان ومكان .

ما دعاني لهذه المقدمة التي افتتحت بها مقالتي هذه ما سمعته في احتفالية إمارة منطقة مكة المكرمة مؤخرا في أكبر قبة أنشئت ربما على مستوى الشرق الأوسط ” قبة جدة ” حيث شهدت افتتاح ” معرض مشروعات منطقة مكة الرقمي ” الذي دشنه سمو أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل وألقى فيه كلمة أعتبرها أقصر كلمة في العصر الحديث لمسؤول في حجم ومكانة هذا الرجل الأديب الذي قد لا يتكرر في أسلوبه الإبداعي الممتع ولا يمكن يغفل التاريخ ما قدم من جهود لهذه المنطقة التي تشرف بخدمتها بعد نيله ثقة ولاة أمرنا – يحفظهم الله – وبأن تكون العاصمة المقدسة مكة المكرمة والحرم الشريف واسطة عقد مدنها ومعالمها العالمية .

ولعلي أدلل على ما أقول بنشر كلمة سموه أمامكم التي تعتبر من السهل الممتنع ومن الإيجاز الذي يشبه الإعجاز حيث وقف سموه مرتجلاً أمام الضيوف الحضور من أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء والمسؤولين والمثقفين والإعلاميين الذين حضروا هذه الاحتفالية وما صاحبها من فعاليات لمدة أسبوع شهد آلاف الزوار من جميع الجهات على مستوى المملكة في أروع تنظيم وانسيابية وتدفق للمعلومات عبر الشاشات التي نصبتها كل وزارة أو فرع لها بالمنطقة وقيام متخصصون بالشرح عن محتواها والرد على أسئلة الجمهور وحتى لا نخرج عن صلب موضوعنا فقد ارتجل سموه كلمته الموجزة قائلاً : –
( بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد : الشكر لمن حضر ، والعذر لمن اعتذر ، والتهنئة لمن أبدع وابتكر ، والسلام عليكم).

الكلمة ضمت أربع وعشرين كلمة فقط بلغة فصيحة غير متقعرة ولا متكلفة لا تقبل التجاوز على لغة القرآن الكريم ولكم أن تقيسوا مدة وعدد كلمات هذا الخطاب أمام جمهور نخبوي ونقل مباشر عبر التلفزيون مقارنة بحجم تلك المشروعات الضخمة التي شهدتها منطقة مكة المكرمة في جميع الخدمات الضرورية التي ينشدها المواطن والمقيم والزائر والتي بلغت مائة مشروع تنموي تهتم ببناء الإنسان وتنمية المكان في مجالات الطرق والصحة والتعليم والمياه وخدمة الحجاج والزوار والمعتمرين وعلى رأسها إعمار مكة المكرمة وتطوير الواجهات البحرية في محافظة جدة ومشروع قطار الحرمين وتطوير مطار الملك عبد العزيز الدولي والخدمات البلدية والتطويرية للمحافظات السبعة عشر بمشروعات ريادية مميزة بتميز المنطقة ما تم تنفيذه وما هو جاري تنفيذه وما هو مستقبلي يتفق ورؤية المملكة 2030م ،

بأعلى المواصفات العالمية وباستعراض مشروعات جهة واحدة هامة هي الطرق والنقل فقد تضمن العرض تنفيذ ثمانية مشروعات يقوم بتنفيذها فرع وزارة النقل بالمنطقة قوامها” 1676″ كيلومتر ليصل مجموع أطوال الطرق أكثر من 9000 كم فيما يجري تنفيذ 25 مشروعا بطول يزيد عن 600 كم من أبرزها الطريق الدائري الثاني بجدة وهذه المشروعات تترجم جهود وزارة النقل التي أنجزت قرابة سبعين ألف كيلو مترا من الطرق المعبدة بين مزدوجة ومفردة وسريعة كان لمنطقة مكة المكرمة النصيب الوافر منها .

ولعل المتابع لهذا الكم المرتبط بالكيف من هذه المشروعات يلحظ ويستنتج كم من المليارات من الريالات التي تم إنفاقها على هذه المشروعات المفصلية ويقارنها بكلمة سموه الموجزة التي جمع فيها ما يريد الوصول إليه برسائل تحفيزية وشحذ للهمم والطاقات للقطاع العام والخاص الأهلي باعتبار هذه الجهات هي من دوزن وشارك في تشييد مشروعات المنطقة وشارك في إعداد وتنفيذ هذه الاحتفالية الغير مسبوقة والتي جاءت كمخرجات لاستراتيجية انطلقت قبل قرابة أربعة عشر عام تقريبا من مكة المكرمة ومشروعها الثقافي الذي يهتم ببناء الإنسان وقد شمل استعراض وصول التعليم الجامعي لجميع المحافظات وملتقى مكة تحت شعار ” كيف نكون قدوة ” وحملة الحج عبادة وسلوك حضاري ومعهد الأمير خالد الفيصل للاعتدال ومنتدى منطقة مكة الاقتصادي ومشروعات ومبادرات أخرى كان لها الدور الأساسي في نشر ثقافة الفرد والمجتمع للجنسين عبر مؤسسات حكومية وأهلية .

نعود من جديد وباختصار شديد فنوجز لكم بعض ما شهده التاريخ من معلومات عن أطول وأقصر الخطابات من باب العلم بالشيء وتعميم الفائدة انطلاقا من كلمة سمو الأمير خالد الفيصل فقد شهد التاريخ الحديث أقصر خطاب في تنصيب رئيس لأمريكا

في مدينة فيلادلفيا حيث ألقى جورج واشنطن كلمة في ( 135) كلمة فقط فيما صنف خطاب الرئيس وليام هنري هاريسون عام 1841م كأطول خطاب في تاريخ أمريكا حيث خطب لمدة ساعتين متضمنا 8445 كلمة ، وهناك أقوال كثيرة حول خطابات وصفت بعضها بالقصيرة وأخرى بالطويلة في صدر الإسلام وفي عدة مذاهب يشار لأصحابها عندما يتم استعراض البيان والإيجاز نكتفي بما ذكرنا آنفا .

انعطاف قلم:

خير الكلام ما قل ودل. وهناك من يقول ليس بالضرورة أن يدل فعلى المستمع أن يبحث ما وراء الكلام فليس على المتحدث بعد الإيجاز أي ملام .

شكرا لسمو الأمير المبدع الأديب خالد الفيصل الذي قدم هذا النموذج الفريد من الإيجاز الذي يقف خلفه أشبه بالإعجاز في مشروعات لأكبر إنجاز .

Related Articles

One Comment

  1. معلومات جميلة واستعراض أجمل وما ذكره الكاتب عن الأمير خالد الفيصل اقتناص ذكي حول كلمته مقارنة بما نسمع ونشاهد من كلمات مطولة في احتفالات أقل من هذه الاحتفالية من حيث الحضور النخبوي والمشروعات العملاقة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button