وليس بالضرورة أن تُفهم فكرتك أو تُقنعهم، ولو افترضنا أنهم اقتنعوا فما هي المحصلة؟ وما سيُضاف لها ولك؟ وما خسرته في حال العدم؟
ينبغي أن تبتاع راحتك بملاطفة أفكارك أنت، وليس باستجلاب الأنصار من هنا وهناك.
الرسالة المحمدية والتي بنيت عليها الجنة والنار جعل الله لمرسلها فسحة بـ (إن عليك إلا البلاغ) – (ليس عليك هداهم) وهي رسالة السماء، وقانون الأرض، ومنهج الحياة، ومع ذلك كان بذل الجهد بالإبلاغ كافياً، ولن تكون أفكارنا أكبر حظا للبقاء، ولا أكثر حاجة للنشر منها.
الكثير من الفلاسفة انتهت حياتهم، وأفكارهم طي المهمل، بل بعضهم لم تعرف أفكارهم إلا بعد سنوات من رحيلهم، ولم تحصل على ثقة الجماهير إلا بعد الكثير من تجارب الآخرين، فإن كان لديك بعض ما لديهم فلن تكون أفضل حالا منهم، ويمكن أن تدع الفكرة رهن أحقيتها، فإن كانت تستحق فلا بد أن يأتي من يحميها، وسيقيّض الله لها من ينشرها ويبنيها.
هذا ليس من باب احتقار الآخرين، أو التقليل منهم، بل من باب الحفاظ قدر الإمكان على السلام، وديمومة الراحة لك، ولا يعني تعنتاً يخرج عن القصد، واعتدادا يلج الشطط، بل اتزان بين رغبة نشر، وحفاظ على مقدرات الناشر من التلف.
تجد أحدهم يحارب من أجل فكرة جيدة بالمجمل، ولكن بتعبئة لا تتناسب مع طموح الفكرة، فيستطيب حرباً من أجلها، وربما تأثرت نفسه من عدم فهم الجماهير، وجعل صحته على المحك، وكأن من أمامه قادر على جعل ما يؤمن به غيمة تصب في كل بقاع الأرض، ومتى آمن بها اكتسبت مطلق التأبيد وسؤدداً مطلق.
نجد الكثير من هذه الأمثلة في مجالسنا وحِلقنا الافتراضية من مجموعات ومنصات، وعلو الحنق وسلاطة طرح مستفز أحيانا، وحين تفتش في المطروح تستغرب من الهوة الكبيرة بينه وبين آلية طرحة، وكمية الحماس المصاحب، وقدر الضرر الحاصل في خلفية ذلك النقاش، ومآلته، وذلك الأثر الذي تكون أزمة نفسية واجتماعية ربما قُدّر لها البقاء أكثر من ذات الفكرة.
اطرح ما لديك دون توتر وتذكر أن ابن رشد كان زنديقا في نظر كثير من معاصريه وها نحن اليوم شرقاً وغرباً نتعاضد بمقولاته، ونستند على مخطوطاته، كما أن أفكار سقراط التي نتلقف ما نقله تلامذته عنه لم تذاع ويُبشّر بها إلا بعد محاكمته وموته، فالفكرة التي مات من أجلها صنعت ذاتها وبدون صاحبها حتى.
ختاماً…. صحتك أهم.