المقالات

ضياع الشمّاعة

نتقن التلاوم كما نتقن الشهيق والزفير، وتتميز طبيعتنا بخلق عنصر السببية لكل تلك الأخطاء قبل الخوض في الخطأ، ونملك مهارة صناعة الشماعة لكل زلة قبل حدوثها، المهم أن تكون خارج دائرتنا لتصبح ذريعة ذهبية لكل مقصر، ويرى باحثي علم النفس أنه تكوين مسبق فينا، حتى باتت تلك الصناعة أمر لا شعوري في بعض منحنياته.
“يشير الإسقاط أولاً إلى حيلة لا شعورية من حيل دفاع الأنا بمقتضاها ينسب الشخص إلى غيره ميولاً وأفكاراً مستمدة من خبرته الذاتية، يرفض الاعتراف بها لما تسببه من ألم، وما تثيره من مشاعر الذنب” وبمقتضى عبارة فرويد فإنا أمام بحث نفسي عميق، ودلالات أعمق، ويهمنا هنا سطح ثقافة الإسقاط، وتلك الذرائع التي تنتجها ذواتنا شعورياً ولا شعورياً للمرور بسلام من نفق ” مشاعر الذنب” كما يقول فرويد.
تعلمنا أن حصول الطالب على شهادة الثانوية العامة مثلاً يعد منتج، وأن هذا المنتج هو حصيلة جهد مجموعة من القوى تقف لتصنع….. وتصنع لنقف.
ولسنا بصدد شرح سابقة تلك الجهود وكيفية تحقيقها، وخاصة مع ما نعيش، وكيف انبرى الكثير في تفنيد أقوال المغرض، وعكوف الآخر على التندر ومحاولة التجهيل أو التقليل.
“كوفيد 19 “أسقط الكثير، وصحح الكثير، رغم مرارة الحلول وثقل المثول، وصحّ التداوي بالداء كما طلب “النواسي”، ومن ضحاياه -وهم كُثُر- ذلك التقليل الذي بات مؤخراً محاولة ممنهجة في التشكيك في المقدر، والتقليل في المجهود، والتجهيل لصنائع تلك الأنفس، فالتميّز في صفوف الطلاب محسوب على كل ماعدا المعلم، والإخفاق لم يكون سوى في صحيفته، فكان ظلم متتابع، وتتابع هالك، حتى قيض الله تلك الأزمة وذلك الفيروس ليضع بطريق أو بآخر النقاط على الحروف كما يقال.
أيا كان فما يهمنا هنا هو سقوط شماعة اللوم التي استثمرها الكثير عقود وأزمنة، وعاد الأمر إلى نصابة، بأن ذلك المنتج ليس جهد معين واحد منقطعاً عن جهود المؤثر الآخر، وأن جهد المعلم والبيت والإدارة والوزارة والبيئة والطالب و….. الخ ليس إلا بعض من كل، واشتمال يفي بالاكتمال.
تجد أحدهم مخفقاً في علم من العلوم ولنقل “الحساب”، ويأتي السؤال الأول “من درسك الرياضيات؟” وكأن النتيجة حُسمت، والاستغراب انقضى، فالإخفاق الموجود هو حصيلة جهد مختل من قبل ذلك المعلم، وبذا لن نحتاج للتفتيش أو البحث في أخريات العوامل وبقية الطاقات، وقسْ على هذا بقية العلوم، في حين أن ذلك المخفق وبدون ترتيب مسبق قد كان يجاوره في ذات الطاولة طالب آخر بل طلاب ربما قد تفوقوا وتميزوا وجميعهم تحت سقف واحد في قاعة واحدة وبمعلم واحد.
لما كان المعلم أحد عوامل بناء الفرد، كان الفرد هو عامل في بناء المجتمع، وبالتالي سلسلة تبني حلقة في سلسلة أخرى، وهل تكون الحلقة يوماً سلسلة قائمة بذاتها مالم تتعاضد مع أختها وتترابط مع قرينتها؟!
لا أنفي عن المعلم تقصيره إن حصل ولكن، لمّا كان في الزمن الغابر هو محط النقد كان محل العقد فيما كتبت، وإلا فهو لا يحتاج لمنافح فكل ما حولك في الحقيقة يد تنافح.
ختاماً…. الجميع يملك النقد…… فهل من يملكه يتقنه؟

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button