تُعد منطقة الباحة واحدةً من أجمل المناطق السياحية في مملكتنا الأبية ودائمًا ما تفتح أبوابها؛ لعشاق الطبيعة، والمناظر الخلابة، من مساحات خضراء شاسعة، وشلالات متدفقة، وبرك المياه المحاطة بالتشكيلات الصخرية العجيبة؛ حيث يرتادها السيّاح من داخل المملكة وخارجها نظرًا لما تحويه من شواهد تاريخية وآثار قديمة كالحصون والقلاع، كما تُعد موطنًا للعديد من الكائنات الحية النادرة والطيور المهاجرة بمختلف أنواعها؛ بالإضافة إلى العديد من المدرجات الزراعية التي يعود عمرها إلى آلاف السنين.
وقد تهللت أساريرنا مثلما تهللت أسارير الكثير ممن قرأ وشاهد عملية إطلاق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية لمجموعة من الوعول النادرة في متنزه الشكران ببلجرشي، وزادت غبطتنا للمركز الوطني للحياة الفطرية عندما تُواكب موعد إطلاق هذه الوعول مع إطلاق فعاليات وبرامج صيف الباحة لهذا العام، والذي جاء بعد عام حُوصر الناس فيه داخل منازلهم بسبب تفشي جائحة فيروس “كورونا” التي أرعدت وأزبدت طوال هذا العام؛ فكان لا بد من إيجاد برامج تُعوض الناس عن كل لحظة ألم سببتها لهم تلك الجائحة؛ فكانت فكرة إطلاق تلك الوعول أمام المصطافين والسياح أحد أهم هذه البرامج التي من شأنها استقطاب وجذب المتنزهين إلى المنطقة ومحافظاتها التي تتميز بالعديد من المواقع السياحة والأثرية والغابات ذات الطبيعة الساحرة.
إلا أن هذه الوعول بغبائها ونقص عقولها أفسدت كل الخطط والجهود التي بذلها أفراد المركز الوطني للحياة الفطرية خلال الأشهر الماضية، وذهبت تربية وتسمين تلك الوعول سُدى، وأحرجت بتصرفاتها غير المتوقعة مركز الحياة الفطرية عندما خرجت عن المسار الذي حُدد لها من قبل؛ وكأنها لا تعرف الجبال ولا كيفية الصعود إليها متناسية كل ساعات التدريب التي تلقتها قبل عملية الإطلاق.
ونظرًا لهذا الخطأ الفادح الذي ارتكبته تلك الوعول عندما غيّرت مسارها من الصعود لجبال متنزه الشكران إلى السير عبر الشوارع والممرات داخل الأحياء السكنية؛ فقد أدرك السكان مدى خطورة تجولها داخل هذه الأحياء مما جعلهم يفكرون في حيلة للتخلص منها وحماية أنفسهم؛ فكان لابد من شن حرب ضروس ضدها فوقعت معركة (ذات القرون)، وأصبحت شاهدةً على مدى غباء هذه الوعول حيث انتهت بأسر بعضها وقتل البعض منها، وفرار مجموعة أخرى إلى الأحياء المجاورة مما أدى إلى نفوقها على جنبات الطريق.
وما أن انتهت تلك المعركة الطاحنة حتى خرج المتحدث الرسمي ليؤكد أن إطلاق هذه الوعول كان ضمن البرنامج الوطني لإعادة توطين الحيوانات الفطرية المهددة بالانقراض، مؤكدًا في الوقت نفسه على سوء تصرف تلك الوعول التي ربما أصابها شيء من الذهول عندما شاهدت السياح والمصطافين معلنًا أن السبب الحقيقي الذي يكمن وراء نفوق بعضها كان نتيجة للإجهاد الكبير الذي أصابها أثناء المعركة وذلك لقلة خبرتها بطبيعة المنطقة وسوء لياقتها، وكذلك عزا نشوب تلك الحرب إلى الرعب الذي أصاب المواطنين بعد عملية إطلاق تلك الوعول، وكذلك عدم التزام كافة الأطراف بالتعليمات والتحذيرات التي أعلنها المركز الوطني لحماية الحياة الفطرية قبل وبعد عملية الإطلاق.
وقد رأي بعض العُقلاء ممن تدخلوا لفك النزاع والقضاء على أوزار تلك الحرب أن يتم إطلاق هذه الوعول في أماكن مأمونة داخل أحد الغابات التي يرتادها المصطافون بكثرة، وفي مساحة شاسعة من جبالها الشاهقة؛ بحيث تكون مُتعةً للزوار وبهجة للناظرين، ويكون مكانها محاطًا بسياج حديدي من جميع الاتجاهات من أجل الحفاظ عليها، وعدم تعرضها للأذى وتوفير الماء والغذاء لها حتى تعيش بسلام.
وخزة قلم:
(الذي ما يعرف الوعل يشويه)