قال صاحبي: نسمع هذه الأيام بمصطلحات تكاد تكون جديدة في المجالات كافة، ومنها مجال الإعلام والتعليم؛ حيث برز مصطلح الاتصال السياسي في الفترة المتأخرة، فما العلاقة بين السياسة والإعلام؟، ومن يؤثر في الآخر؟، وهل استخدمته الدول لتمرير برامجها وأجندتها السياسية؟، وكيف أسهم الاتصال السياسي في اختراق المجتمعات المختلفة، وحول العدو لصديق، والعكس؟.
في ظل الاضطرابات الدولية والإقليمية التي يشهدها العالم منذ بداية القرن العشرين، برز الإعلام بوصفه ضرورة مُلحة لمواكبة الأحوال والمواقف الدولية وتخطي المشكلات بأقل الأضرار، ووصف عصرنا الحالي بعصر الاتصال بما يمتلكه من قدرة على التأثير والإقناع، وتشكيل الأفكار، وصياغة الرأي العام، فالتطورات الكبيرة التي طرأت على وسائل الاتصال في الفترة الأخيرة أدت إلى بروز بعض المُصطلحات الإعلامية المُتخصصة مثل “الاتصال السياسي، وغيرها”.
البحث عن جذور هذا المفهوم يقود إلى البحث في مجال العلاقة بين الاتصال والسياسة، والذي يُعد توجهًا جديدًا بالمفهوم المهني المُتخصص والسائد في الأوساط الأكاديمية، ولكن المُتتبع للجهود العلمية يستطيع العثور على مثل هذه الجهود عند الفلاسفــــة الإغريق، ممثلة في كتابات أرسطو “السياسة والخطابة، والتطبيقـــات الخطــابية الإقناعيـــــة” لبعض القدماء، أمثال الفيلسوف الإيطالي نيقولا ميكافيللي والأديب الإنجليزي وليام شكسبير، وغيرهم كثير.
فالعلاقة بين الاتصال والسياسة في مختلف دول العالم – بصرف النظر عن طبيعة وشكل النظام السياسي والنظام الاتصالي الذي يُمارس- هي علاقة عضوية لدرجة يصعب تصور أحدهما دون الآخر أو قيامه بوظائفه بمعزل عنه، فالحكومات على اختلاف أنظمتها السياسية تعول على وسائل الاتصال في تحقيق أهدافها.
في عام 1917 مثّلت الثورة البلشفية تهديدًا حقيقيًا للقوى الرأسمالية الغربية، وبعد أن انهزمت القوات الألمانية، قام حماة النظام الرأسمالي بالتصدي لمواجهة تهديد – شعار تصدير الثورة وانتشار الاشتراكية – ومن هنا نشأت حالة العداء المُتبادل بين كل من السوفييت والقوى الرأسمالية، واستمرت هذه الحالة دون تغيير تقريبًا حتى عصر جورباتشوف، وكان ذلك بداية ظهور مُصطلح “الحرب الباردة”.
في هذه المرحلة قام الإعلام الغربي بحملة علاقات عامة ضد البلاشفة، ما أدى لظهور حالة الخوف الأحمر، وانعكست هذه الحملة على إنتاج أفلام هوليوود خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وساهمت في تعزيز الأيديولوجيا المناهضة للبلشفية واليسارية، وبهذا قام الاتصال السياسي في هذه الفترة بخدمة الحكومات الرأسمالية في القضاء على أفكار الثورة البلشيفية.
إلا أن الأمر المُثير للسخرية هو أن المحتوى الذي تُقدمه وسائل الإعلام في الدول الغربية بدأ بتغير الصورة المُقدمة عن السوفييت وفقًا لمتطلبات المرحلة السياسية والعسكرية! حيث إن الاتحاد السوفيتي قد حافظ على أن يكون على مسافة قريبة من الحرب ضد النازية الألمانية في الفترة بين عامي (1939 – 1941).
ولتحقيق الهدف السياسي المُتمثل في حشد الدعم للاتحاد السوفيتي قامت وسائل الإعلام الغربية بحملة دعائية تهدف إلى تغيير الصورة السلبية التي صنعتها عن الاتحاد السوفيتي خلال العقدين السابقين إلى صورة جديدة أكثر إيجابية كمكان جميل ودود يسكنه النبلاء المجتهدون والشيوعيون الصادقون والجيوش المُحبة للسلام، وبقوة سحر الإعلام تحول الديكتاتور ستالين إلى “العم جو”، كما حثّت وسائل الإعلام الغربية السكان على التبرع بالطعام والمال للروس الجائعين أثناء حصار لينينغراد.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، عادت وسائل الإعلام الغربية إلى سيرتها الأولى، وعملت على تغيير الصورة المُقدمة عن الاتحاد السوفيتي من الصورة الإيجابية إلى الصورة السلبية كما كانت تُقدمها في فترة الخوف الأحمر!!.
قُلت لصاحبي:
ما زال الدكتور جوزيف جوبلز حيًا يرزق في كل صراع، وعندما تغيب الحقائق، فالتضليل الإعلامي لم يعد كذبة بسيطة؛ بل أصبح أكثر احترافية، له كهانه وسدنته ومطابخه، وأطباقه المتنوعة؛ التي تُقدم لمن يدفع ثمنها.
*مقتبس بتصرف من كتاب” الاتصال السياسي في عالم يتغيّر” للكاتب.