المقالات

البجعة السوداء وكورونا

لو أن صديقًا قال لك قبل ثلاث سنوات: إن كل الرحلات الجوية في كل دول العالم ستتوقف العام القادم؛ لشككت في قدراته العقلية، لكن بعد جائحة كورونا تقبل الناس في العالم تلك الفكرة وعاشوها، وهذه ليست الحادثة الأولى التي تحدث، ولم يكن الناس فيما قبل يصدقون إمكانية حدوثها، لكن النظريات العلمية تناولت ذلك وفسرته، ولعل نظرية البجعة السوداء هي الأقرب لحالة كورونا، وتتمحور هذه النظرية أن البجع في العالم لونه أبيض، وحينما تنتظر إحداها فقس بيضها، فكلنا يثق أن لون الصغار سيكون أبيضَ، لكن وفي حالات نادرة تفقس البيضة عن بجعة لونها أسود، هذا تمامًا ما يحدث بأن كل المعطيات السابقة والمتوقعة تؤكد أن الأمور ستسير باتجاه معين، ولو افترضنا حدثًا مخالفًا لكل ما اعتدنا عليه واقعًا وتاريخًا، لرفض هذا الافتراض باعتباره لا يمكن حدوثه، إلا أن المؤمنين بنظرية البجعة السوداء، يتوقفون عند تحليل التهديدات يفترضون ما يتفق مع النظرية، وفي المجال الصناعي لم تؤمن شركات أجهزة (الكاسيت) و(الفيديو) وبعض شركات الهاتف بهذه النظرية، فلما تحقق حدوث النظرية وجدت تلك الشركات نفسها أمام واقع يصعب تداركه، وكذلك الصحف الورقية عاشت فترة طويلة من الزمن لا تصدق هذه النظرية، والآن تحاول جاهدة التعامل مع نتائجها، بعد ما لحقها من خسائر مادية ومعنوية، وبالعودة إلى النظريات العلمية، التي أثبتت من خلال الاختبارات الصادقة والثابتة، إلا أن أصحاب القرار في بعض المنظمات قد لا يكونون اطلعوا على تلك النظريات أو لم يكونوا متقبلين لها، ومن ذلك ما نسمعه من تذمر من نظرية البيروقراطية وهي من أفضل نظريات الإدارة، وأسهمت في تطوير الأعمال بشكل كبير في القطاعين العام والخاص، وما نعيشه من سلبيات ليست بسبب البيروقراطية، بل بسبب ممارسات خاطئة أثناء استخدام هذه النظرية، وكذلك التقويم المستمر في التعليم الذي يحتاج لآليات تطبيق علمية دقيقة، فإن لم نطبقه بشكل صحيح فالسوء ليس فيه، ولكن في طريقة تطبيقنا له، ومعلوم أن كثيرًا من النظريات وظفت بشكل علمي فطورت الأعمال، مثل نظرية (ديمنق) في الجودة، مع ضرورة التأكيد على أن تطبيقها على الورق، لن يقدم نتائج كما حدث في التجربة اليابانية مع هذه النظرية، ختامًا قد نكون لم نعطِ العلم ونظرياته المساحة ليُحدث التطور، واعتمدنا على قناعاتنا الشخصية، فإن نجحنا اعتبرنا أننا سببه وإن فشلنا استدعينا أقرب “شماعة” نعلق عليها أخطاءنا وأقربها سوء النظرية.

Related Articles

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button