مثالية الهدم
“كل صبي أحمق يستطيع أن يقتل حشرة، لكن كل علماء الأرض لا يستطيعون أن يخلقوا واحدة”
هل يرمي شوبنهاور إلى القوى الخفية لدينا والإمكانات التي نملكها ولا نصرّفها، أم إلى حرب العلم والجهل وصراع البناء الهدم؟!
حروب البناء والهدم تعد الحرب الأولى غير المنصفة إذ تتفق النتائج بالوصول وتختلف الطرق، وتتباين مدة الوصول، ولا تتساوى الجهود على الاطلاق.
“غابة كريم” أو ما سُمي مؤخراً “بنموذج كريم” وهي الغابة الشاسعة الثرية بصنوف الحياة وأشكال الغطاء النباتي والحيواني المتميز، والتي قامت على يد رجل واحد، نعم على يد رجل واحد، ودون الحاجة لطرح مناقصات، أو تهيئة شركات البستنة، وتحالف الفلاحين، أو المؤسسات المختصة ذات الإمكانيات اللامحدودة.
في ولاية كيرلا الهندية وفي عام 1977م انتهى كريم من زراعة أول شجرة على مساحة 135 فدان لتصبح بعد قرابة 35 سنة عبارة عن غابة ازدحمت فيها ألاف الأشجار والنباتات والطيور، وهذا كله بجهد فارد وطاقة رجل واحد
غابة كريم يمزقها صبي شوبنهاور، كما أن فلاحيّ الأرض لو سلمنا بالقدرة فلن نتفق في الجهد والزمن لتعيد نموذج ذلك البيئي كما كان في حال نفذ ذلك الأحمق مخططه.
تلك الطاقة التي استبطنت السنين وابتلعت الجهود لتُخرج نموذجاً بيئياً غير معهود يمكن لمجنون أحمق أن ينهي ذلك كله، ليعيد تلك الغابة إلى جرداء قاحلة في ظرف سويعات معدودة، وبنتيجة إهلاك فريد.
التخريب سريع الإنجاز مضمون النتائج، والهدم بديع استنباط السبيل السهل، والطريق الأقوم بما يخدم توجهه ويصب في مصلحته، ولا يحتاج سوى “نوايا صادقة” وإطلاق صافرة البدء لتجد نفسك في كومة أسوأ مما كانت عليه قبل البناء، ومن خلال هذا يمكن القول أن للهدم مثالية في الإنجاز ربما تنعدم في أي حراك آخر.
“ولو ألفُ بانٍ خلفهم هادمٌ كفى فكيف ببانٍ خلفه ألفُ هادمِ؟!”
قد تستميلنا دقة هذا البيت، وبديع التوصيف المسال على شُرُفاته، فقُدم ببلاغة نهاية قصة البناء ولو بكف واحدة أمام جيش البناء المتقدم ، وهكذا هو الهدم وتلك طرقة، وذلك البناء ومعتركه، وبين الحالين قصة عداء كبرى تجعل ذينك المصطلحين في قمة سلسلة التضاد على مر الدهر.
ختاماً.. وهل يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنتَ تبنيه وغيركَ يهدمُ؟