د. سونيا مالكي

هل نعي جيدًا مفهوم ثقافة الانتخابات؟

بالرغم من أن تجربتنا الانتخابية ما زالت في بداية عهدها، إلا أنه يمكن القول إن ما تحقق من نجاح للتجربة الانتخابية حتى الآن – سواءً على الصعيد الرسمي أو الأهلي-أعطى دفعة قوية للمُضي قدمًا في تطوير التجربة. وعلى الرغم من أن الانتخابات تم تطبيقها في مؤسسات أرباب الطوائف التسع منذ العام 1423هـ، إلا أن ما تحقق حتى الآن لم يلبِ طموحات الكثيرين من أرباب تلك المهنة التي يعتز كل من يتشرف بالانتماء إليها أيما اعتزاز، لكن جاءت الانتخابات الأخيرة لتضعنا أمام تحدٍ خطير، فالانتخابات هذه المرة جاءت مختلفة كُليةً عن سابقاتها، فقد جرت أولًا تحت مسمى انتخابات الجمعيات التأسيسية لشركات أرباب الطوائف، الخطوة الأخيرة لتحويل وزارة الحج والعمرة مؤسسات أرباب الطوافة لشركات مساهمة؛ بهدف الانتقال من النمط التقليدي إلى أنماط العمل الاحترافي المؤسسي بهدف رفع جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وتحسين تجربتهم وإثرائها وفق رؤية المملكة 2030 ومتطلباتها. وكان يفترض أن يُصاحب هذا التطوير الإستراتيجي تغييرًا موازيًا في مستوى الوعي والإحساس بالمسؤولية الجديدة الملقاة على عاتق كل من يعمل في هذا المجال الأكثر أهمية وحيوية بما يشكله من رسالة سامية يضطلع بها كل مواطن فما بالك بتلك الفئة من المواطنين الذين آلوا على أنفسهم خدمة الحجاج والمعتمرين وتوفير كافة سبل الراحة لهم وجعل هذه المهمة السامية عملهم الدؤوب وشغلهم الشاغل. وهو ما فرض السؤال: إلى أي مدى نجحت التجربة الانتخابية الجديدة في المرحلة الجديدة؟
الإجابة: مع شديد الأسف لم تنجح تلك التجربة في تحقيق ما كنا نتأمله ونتمناه منها !، فقد استحوذت فئة من أعضاء مجالس بعض إدارات أرباب الطوائف على معلومات الناخبين والتواصل معهم واستخدام هواتفهم العامة والخاصة في التأثير على جلب غالبية الأصوات لأنفسهم أو لمن يوصون بهم، هذا بجانب العديد من المخالفات الأخرى، وهو ما لم يعد يخفى على أحد.
وعندما نطرح السؤال المفترض في هذه الحالة: لماذا ؟.. وكيف؟.. وأين الدماء الجديدة ومن هم على ثقافة وتعليم متميز ومن هم أكثر قدرة على العطاء ؟.. سنجد أنه يمكن إيجاد الإجابة بمنتهى البساطة: ما زلنا نفتقر إلى التحلي بثقافة الانتخابات التي تبتعد عن معاني المجاملة والمحاباة في إطار القرابة أو الصداقة أو المصلحة .. بينما نحن في أمس الحاجة إلى ثقافة انتخابية ترتكز أساسًا على مبدأ انتخاب الأفضل والأنسب والأكفأ، أي الشخص القادر على الإنجاز والعطاء، الشخص المؤهل لتحقيق الأهداف المنشودة والخطط المرسومة بحماسة وقدر كبير من تفهم حجم المسؤولية المُلقاة على عاتقه خلال عمله دون أي تفريط أو إهمال.

كما لا يخفى على أحد أن الانتخابات تعتبر من أنجع الوسائل لاختيار المرشح الأكثر كفاءة الذي تتوفر فيه الجدارة والمعايير الأخلاقية والثقافية والعلمية والخبرات العملية، والتي يأتي على رأسها خصال الإخلاص والصدق والأمانة.

لقد لُوحظ – وببالغ الأسف – أن هناك ممارسات تخرج عن المفهوم الصحيح للعملية الانتخابية صاحبت عملية التصويت وقد تم رصدها ونشرها من قبل الكثيرين، وغالبًا أنها وصلت إلى مسؤولي وزارة الحج والعمرة على ما أحسب، وربما وزارة التجارة اللتين يُناط بهما الإشراف على سير ونزاهة الانتخابات، وهو ما تضمنته مداخلتي في لقاء الجمعية التأسيسية الثانية لشركة مطوفي حجاج تركيا وحجاج أوروبا وأمريكا وأستراليا في يوم الثلاثاء ١٩ ذي القعدة ١٤٤٢هـ عندما خاطبت معالي وزير الحج والعمرة المكلف ومعالي نائبه د. عبد الفتاح المشاط ولممثلي وزارتي الحج والعمرة والتجارة اللذين حضرا اجتماع الجمعية بالقول:
أتطلع نحو إجراء تحقيق حيادي في المخالفات والخروقات التي تمت خلال تلك الانتخابات من بعض المرشحين، وضرورة اتخاذ الاجراءات المتبعة في مثل هذه الحالة إزاء أولئك الذين مازالوا يفكرون بأسلوب إخفاء وجهه تحت الرمال ظنًا منه أن أحدًا لن يراه؟.. وأن ما اقترفه من خروقات لم يعد، أو لا ينبغي أن يقترف في هذا العهد الذي لا مكان فيه لمن هم غير جديرين بثقة ولاة الأمر، ولمن يفتقرون إلى القدرة على الارتقاء لمفهوم (الرؤية) والوفاء بشروطها.
ما حدث يستوجب التوعية بثقافة الانتخابات بعيدًا عن الفئوية وتعميقًا لمفهومها الذي يرتكز على مبدأ (اختر الأصلح والأجدر والأقدر) من خلال المنظور العقدي والأخلاقي والوطني.

نحتاج – في واقع الأمر وبكل صراحة – إلى جرعة أقوى من التثقيف والتوعية الانتخابية، فكم كان يحدوني الأمل في أن تحقق هذه الانتخابات الغاية منها للارتقاء بخدمة حجاج بيت الله الحرام إلى أرقى المستويات.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. دكتورة اصبتي كبد الحقيقة .. وقد استبشرنا في بداية الامر ، عندما طلبت الوزارة معلومات من المرشحين واخرجت بروفايل على هيئة انفوجرافك.. فقد سعدنا بذلك، لان كل مساهم سوف يطلع عن قرب عن ماهية المتقدمين وخبراتهم ، وعلى ضوء ذلك سيتم الترشيح بناء على قناعته بالمرشح …. الا اننا تفاجأنا من تصرف البعض والذين استحوذوا على بيانات المطوفين، مستغلين مناصبهم ومكانتهم للتأثير على الناخبين.. لذا نرى ان تكون هناك قواعد واجراءات اكثر استحكاما .. لمنع الانتهازيبن من استغلال الفرص، وان توجه رسائل الى كافة منسوبي الشركات من قبل مقام الوزارة توضح لهم كيفية انتخاب المرشحين.. وتؤكد لهم كيفية الابتعاد عن ضغوطات المتسلقين والله اعلم

  2. ? كل الشكر والتقدير لسعادة المطوفة الدكتورة سونيا مالكي ، على هذا المقال الجريء والموقف المحترم ، إنها شهادة للتاريخ وكلمة حق عند.. وزارة الحج .
    ‏إما تصحيح المسار ، أو الإستمرار بنفس النهج ، وبذلك تكون قد إتضحت الرؤية .

  3. تحية وتقدير لسعادة الدكتورة سونيا لطرحها بشفافية مطلقة ، والحقيقة فوارق عدد الاصوات في انتخاب بعض الشركات شيئ ملفت وعجيب للغاية فرضت علامات استفهام ، فمن لدية الاجابة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى