برنامج “خدمة ضيوف الرحمن”، الذي تتضمّنه رؤية المملكة الطموحة 2030، والذي أُطلق في العام 2019م، يعدُّ امتدادًا لنيل ملوك بلادنا العزيزة، شرف رعاية الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن، ويهدف هذا “البرنامج” إلى تيسير استضافة قاصدي الحرمين الشريفين، إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضتي الحج والعمرة على أكمل وجه، وتقديم أفضل الخدمات لهم، قبل وأثناء وبعد زيارتهم لمكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، مع إثراء وتعميق تجربتهم الدينية والثقافية، وبالتالي عكس الصورة المشرِّفة والحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين واستضافة ضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين وزوّار للمسجد النبوي الشريف.
لتحقيق هذه الأهداف وتطبيقها وإنزالها لأرض الواقع، مضت المملكة قُدمًا لتطوير الأنظمة تماشيًا مع أهداف رؤية 2030، وبالتالي ليأتي دور “قطاع الحجّ والعُمرة”، ليمثل محورًا رئيسًا في رؤية 2030، وذلك تنفيذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين مهندس “الرؤية” وعرّابها الأوّل – حفظهما الله -، بتسخير كافة الإمكانات والموارد لخدمة ضيوف الرحمن، وتأسيس صناعة الضيافة الحديثة، والارتقاء المتواصل بالخدمات المُقدّمة لهم، وتطوير هذا “القطاع” تماشيًا مع أهداف “الرؤية” وخطتها لاستقبال 30 مليون معتمر، و6 ملايين حاج بحلول عام 2030، وهو ما استوجب تحويل مؤسسات أرباب الطوائف إلى شركات مساهمة، لتعكس الصورة المشرفة للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن بمختلف جنسياتهم ووجهاتهم؛ وذلك نظرًا لما يتمتع به هذا “قطاع الحجّ والعُمرة”، من مزايا متفردة ومتنوعة تؤهله لاحتلال هذه المكانة، إلى جانب كونه من القطاعات التي تذخر بالكوادر والطاقات البشرية، ذات الكفاءات والخبرات المُكتسبة، والممارسات الطويلة، والذي شهد تطورات غير مسبوقة، من خلال اعتماد التقنية لتطوير الأداء، وتكريس الشفافية، وتطبيق معايير الجودة، ومقاييس الأداء، لرفع مستوى الجاهزية وزيادة الطاقة الاستيعابية، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وزيادة التنسيق، بما يسهم في تحقيق أهداف الرؤية، ليصدر مجلس الوزراء الموقر، قرارًا بالموافقة على نظام مقدمي خدمات حجاج الخارج، وليتم إعادة هيكلة “مؤسسات أرباب الطوائف” التسع، وتحويلها إلى شركات مساهمة مقفلة، بهدف الانتقال من النمط التقليدي، إلى أنماط العمل الاحترافي المؤسسي، مما يسهم في رفع جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وتحسين تجربتهم وإثرائها وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030، وإتاحة الفرص لها لخلق كيانات جديدة وعملاقة، تعمل على خدمة وفد الله من الفكرة إلى الذكرى؛ وذلك عبر أعمال تطويرية مُستمدة من توجهات إستراتيجية، ومن خلال إنشاء مكتب التحول المؤسسي، وتطوير نظام الحوكمة، وإنشاء إدارة للشؤون المالية، ومكتب كفاءة الإنفاق، وإدارة المراجعة الداخلية؛ حيث تعتمد هذه المرحلة على ثلاثة أساسيات هي: (الكفاءة المؤسسية، والقدرة التنظيمية، والإدارة الفاعلة)؛ وذلك من خلال ثلاثة عناصر، هي: (الهيكل التنظيمي، والموارد البشرية، والبنية التحتية)، حيث يسمح هذا القرار للشركات، بإنشاء شركات فرعية تعمل في مجالات مساندة لدعم المنافسة وضمان تحسين الخدمات، والانتقال بطبيعة العمل في مؤسسات أرباب الطوائف من النمط التقليدي، إلى أنماط عمل احترافي مؤسسي، الأمر الذي يُسهم في رفع جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وتحسين تجربتهم وإثرائها، بشكل مباشر، ووفقًا لمستهدفات رؤية 2030، التي قدّمت إستراتيجية متكاملة لتطوير منظومة الحج والعمرة، وذلك من خلال إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المسلمين لتأدية مناسكهم؛ حيث تضمنت في محورها “المجتمع الحيوي”، وتحت عنوان: “قيمة راسخة”، إشارة صريحة إلى التأكيد على أهمية تسخير الطاقات والكوادر البشرية والإمكانات المادية والتقنية لخدمة ضيوف الرحمن، إذ ورد ما نصه: “نحن لا ندخرُ وِسعًا في بذل كل جهد وتوفير كل ما يُلبي احتياجات ضيوف الرحمن ويحقق تطلعاتهم، ونؤمن بأن علينا أن نضاعف جهودنا لنبقى رمزًا لكرم الضيافة وحُسن الوفادة”، الأمر الذي يُجسِّد – وبشكل ملموس – أن لواضعي هذه “الرؤية”، نظرة ثاقبة وفكر نير، ورؤى وتصوّرات وإدراك واسع المدى بتحديات الحاضر الراهن، ومتطلبات المستقبل، للنهوض ببلادنا العزيزة، وترسيخ مكانتها المرموقة، كدولة رائدة وفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي.
ولتنفيذ هذه المرحلة المفصلية، وتطبيق هذا التحّول الكبير في مسيرة هذه المؤسسات التي أمضت أكثر من أربعة عقود في خدمة حجاج البيت العتيق، أقدم مركز الإستراتيجية وإدارة الأداء بوزارة الحج والعمرة، والهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف، على عقد الجمعيات التأسيسية لشركات أرباب الطوائف، وذلك بالتنسيق مع وزارة التجارة، مع التشديد على أهمية استخدام وسائل التقنية، بما يضمن ممارسة المؤسسين لحقوقهم وإتاحة مشاركتهم بفاعلية، وتمكينهم من الاستماع والمناقشة والتصويت، وفق الأنظمة والتعليمات وبما يضمن شفافية الانتخابات وموثوقيتها، لاختيار أعضاء مجالس إدارة شركات أرباب الطوائف، ليتم انتخاباتها من المساهمين، من أصحاب الخبرات المكتسبة والكفاءات والجدارة.
لينتج من هذا التحوّل المؤسسي التاريخي الكبير، والذي يُعدُّ تحوّلًا إستراتيجيًا يصبُ في مصلحة تجويد الخدمات والارتقاء بقطاع الحج والعمرة والنهوض به، على النحو الذي يحقق الآمال والتطلعات، في ضوء “برنامج خدمة ضيوف الرحمن”، المنبثق عن رؤية المملكة 2030، تكوين كيانات قوية، تعمل على توسيع أعمالها وأنشطتها التجارية والاستثمارية، وذلك من خلال اختيار كفاءات إدارية وخبرات عملية، تعمل على تعزيز فاعلية العمل الإداري ورفع كفاءة الأداء، وتؤدي لتحقيق أهداف هذا التحول، وبالتالي تُسهم في تحقيق عملية الاستدامة، بما يحقق الاستقرار والاستمرارية في العمل، وبحيث يكون العمل طوال العام وليس عملًا موسميًا، وكذلك على تجويد الخدمات، وتغيير أساليب عمل قطاع عريض من منظومة خدمة ضيوف الرحمن، من حيث اتخاذ شكل نظامي يُواكب التغيرات المستقبلية، وكذلك تغيير نموذج العمل الحالي في أعمال الركن الخامس من أركان الإسلام، وبحيث يكون النموذج أفضل من ناحية حوكمة الأعمال، وذلك من خلال رفع مستوى الحوكمة الذي سيعمل على حماية حقوق المساهمين، مع تجويد الخدمات المقدمة من هذه الشركات، لتتم بتنوع أكبر وبصورة مستدامة طوال العام، الأمر يؤدي للارتقاء بالجودة النوعية، وكذلك زيادة العوائد الاقتصادية لهذه الكيانات المرموقة وتنمية مواردها المالية.
سائلًا الله سبحانه وتعالى، التوفيق والسداد لهذه الكيانات العريقة والشامخة، لتحقيق تطلعات قيادتنا الرشيدة – أيدها الله -، وخدمة ضيوف الرحمن على أكمل وجه، في هذه المرحلة الجديدة.
———————-
استاذ مساعد الهندسة البيئية والمياه كلية الهندسة والعمارة الاسلامية جامعة أم القرى