تقلباتٌ وتحولاتٌ، حروبٌ وانقلاباتٌ، كسادٌ وركودٌ، غلاءٌ وتضخمٌ، قوةٌ وشراسةٌ، ثورة معلوماتٍ وتعملق تقنياتٍ، كلها مفرداتٌ على هيئة نغماتٍ، تعزفها لنا سيمفونية التغيير على إيقاع العالم الصاخب، شنفت مسامع المنظَّمات فلم يكن أمامها إلَّا مجاراتها، والعيش على إيقاعاتها؛ على أمل أنْ تقودها إلى فتح درب المستقبل المأمول، متمسكةً بالعهود، لا تركن إلى صفيق المدح ومنطق التمجيد، بل يحكمها دستورٌ فيه الصَّلاحُ لكلِّ طارفٍ وسديد. دفعت بقيادة المنظمات إلى كتابة نوتات التغيير؛ بما يحويه من صعودٍ وهبوطٍ، بشكلٍ علميٍّ مدروسٍ، وعمليٍّ فعَّالٍ، يوظِّف الكفاءاتِ الواعيةَ بالأهداف، المُتمكِّنة من التقنيات، التي تقدِّر قيمة الأوقات في تطبيق المؤشرات، وتتابع العمليات، وتحاسب على الصغيرات قبل الكبيرات؛ لتتجاوز سقف التوقعات عن طريق حلِّ المشكلات؛ بأفكارٍ إبداعيةٍ ترسم خطوط الابتكارات، وتُطوِّر مختلَف القدرات؛ بتبادل الآراء، وعقد اللقاءات، وفتح باب المناقشات في كافة المجالات؛ وتراجع التشريعات، وتحذف السلوكيات القديمات بسلوكياتٍ جديداتٍ، تُواكب المستجدات، وتساير المتغيرات؛ منتهجةً في ذلك كله استنهاض الهمَّات؛ لتصحيح المسارات، ودرء العثرات؛ حتى تزداد النجاحات. فالتغيير حسب نظرية الحتميات أمرٌ محتومٌ في كلِّ مؤسسةٍ ونظامٍ؛ لأنَّ العالم في حراكٍ، والكفاءات البشرية في تنامٍ؛ لذا فإنَّ قيادة التغيير تُعد من أصعب المهام؛ فهو لا يأتي بالتمني والشعارات، بل بالقيادةِ الحكيمة، والإرادة القوية، والإدارة الفاعلة، والتنظيم الجيّد، والتمكين الهادف، والشفافية العادلة، والمراجعة الدائمة؛ بما يساعد المنظَّمات على الاستقرار، والعيش بأقلِّ قدْرٍ من الآلام، ويحقق لها الموازنات بين مدِّ التجديد وجزْرِ التقليد؛ حتى تجتاز عقبة التغيير بأقلِّ الخسارات. فما التغيير إلَّا لحْنٌ جميلٌ بيد العازف العارف بأبجديات الألحان. وأثناء عزْف قائد التغيير لهذه السيمفونية الرائعة أمام نافذته الفاصلة بين الجمود والتغيير اختلفت وتيرة الإيقاع؛ لتنشر نغماتٍ مختلفةً لم تأْلفها الأسماع، فتوقَّف عندها القائد عن إكمال معزوفة مستقبل المنظَّمات؛ إذ راعَهُ ظِلٌّ عملاقٌ قابعٌ أمام نافذته، يجْتاح التغيير، ويفرض عليه طقوسه المقيتة، يُسلِّي نفسه بسلوى العاجز، ويقف في المنتصف لا إلى الجمود ولا إلى التغيير، بل ويذهب به خياله القاصر إلى عدم جدوى التغيير، وأنَّ المجد للجمود وأهله، وأنَّ المستقبل مجهولٌ، والوجل فيه عظيمٌ، ظِلٌّ يجعل المنظَّمات تسعى إلى الاحتماء منه ومعانقته في ذات اللحظة، فإمَّا أنْ تكون على استعدادٍ لترويض السياسات والاستراتيجيات، بثقْب وجه هذا الظِلّ كي تدخل الشمس راقصة، أو تستسلم لظلامه وتحتمي به!!! إنَّه الظِلٌّ الذي أوجب على قائد التغيير إكمال العزف أملًا في تفسير ماهيته، هل هو روحٌ تقاوم سرًّا شروق الشمس؛ لأنها تراها مبدِّدةً لاستقرارها وسكون ليلها! أمْ أنَّه شبحٌ يخيِّم على زجاج النافذة؛ ليجعل المشهد أكثر تعقيدًا؛ لأنَّه يرى أنِّ التغيير ضارُا وهدّامًا! أمْ أنَّه خطيئة التغيير عندما يشرق على حين غرَّةٍ بفوائد جمَّة تُبدَّد هذا الظِلَّ؛ بإقناعه أنَّ شمس التغيير لا يحجبها غربال.
فإذا ما أرادت المنظَّمات أنْ يُكتَب لها البقاء والاستمرار في تقديم الخدمات، وأنْ تحافظ على صلابة الكيانات ومتانة البناءات، عليها أنْ تدرك أنَّ التغيير طريقها للثبات في عصر التحولات؛ التغيير الذي قد يشمل البناء الهيكلي والتكنولوجي ويحيط بالأفراد والجماعات؛ ليحدث تغيرًا نحو التقدم والتطور والتنمية والإصلاحات، ويعمل على تجديد الحيوية داخل المنظَّمات، فهو يؤدي إلى انتعاش الآمال، وتحريك الثوابت، وسيادة روح التفاؤل، وتجويد المخرجات، ويكشف عن الصراعات، ويدير الأزمات؛ ببناء جوٍّ من الثقة والتعاون؛ لمساعدة العاملين على تشخيص المشكلات، وتحفيزهم لإحداث التغييرات، والارتقاء بمستوى أداء المنظَّمات لتتوافق مع المتطلبات.
وقد جاءت رؤية المملكة الطموحة 2030 لتجعل من التغيير أمرًا مقبولًا؛ رؤيةٌ قدَّرت المواضع قبل الخطوات، وصنعت التوقعات، وأخذت بميمات التغيير المتمثلة في: (الموضوع، المغير، المؤيد، المحايد، المقاوم، المواجه)، رؤيةٌ بدأت بالضروريات، ثم انتقلت إلى الممكنات، ففعلت المستحيلات، بخططٍ فاقت حدود التخيلات في كافة المجالات، وعملت بمبدأ مفاده أنَّ: “السر في التغيير يمكن في أنْ تركز طاقتك ليس في محاربة القديم، بل في بناء شيءٍ جديد”، وعليه فإن كلُّ المنظَّمات ستسير بخطى واثقة نحو تحقيق أهداف التغيير التي تتغيَّاها وتصبو إليها، آخذةً بعين الاعتبار تغيير فكر الظِلِّ المسيطر على تقدم العمليات، الظِلُّ الذي لا يستنكف عن ترديد مقولته الشهيرة: “أخافُ النهايات، أظلُّ عالقًا في عُمق المرحلة منذ البدء، أُفكِّرُ في العقبات الأخيرة، أقِفُ في المنتصف حائرًا، أُراود فكرتي الجمود والتغيير، وأحاول أن أُقارن بينهما، أخافُ أنْ أتقدَّم فأخْسَر الماضي، وأخافُ أنْ أنتظرَ فيفوتني قطار العالم”. إنَّه ظل أسدل أمامه ستارةً قاتمةً حجبتْ عن عينيه رؤية حقيقة التغيير وأهدافه، وبرع في تبرير السلبية والجمود؛ بسيطرة الضَّادات الثلاثة على فكره: (ضغط، ضيق، ضعف)، فعجز أن يكون معولًا لقادة التغيير البنَّاء، الذي يجعل المنظَّمات تتنفَّس الصعداء، وتزهر بالرخاء والنماء.
فيا أيها الظلُّ العابرُ في أروقة المنظَّمات، الواقفُ أمام التغيير، النَّاظر والمنتظِر، أيُّها الماشي إلى ما لا يعلم! ماذا سيحدث لو سارت المنظمات دونك؟ هل ستضلُّ الطريق، وتتوه في غيابة العالم المضطرب؟!
1
مقال رائع ومتميز فكراً ولغة
سلمت اناملك دكتورة اماني