تُعد ظاهرة العنف سمةً من سمات وخصائص الطبيعة البشرية التي فطرت عليها منذ أن خلق الله الناس على هذه البسيطة إلا أن الشريعة الإسلامية جعلت لها حدودًا وخطوطًا حمراء، وضبطت الانفعالات التي تؤدي إلى كل أشكال العنف سواء العنف القولي أو الفعلي، واعتبرت أن الغضب بوابة الشر؛ حيث نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عنه في أحاديث كثيرة فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: (لا تغضب)، فردد مرارًا، قال: (لا تغضب)؛ رواه البخاري.
إلا أن العنف في وقتنا الحاضر تطور وتجاوز كل الحدود، وباتت المضاربات من أخطر ظواهر العنف التي تواجهها المجتمعات وأصبحت أمرًا مثيرًا للقلـق فـي العقـود الأخيرة، فهي لا تنحصر في مكان أو زمان بعينه؛ الأمر الذي خلق هواجس أمنية واجتماعية كبيرة؛ حيث أصبحت معدلات العنف في تصاعد مستمر في معظم دول العالم بشكل عام، وفي بلادنا بشكل خاص لا سيما المضاربات الجماعية أو الفردية التي تُعد أسلوبًا بدائيًا غير متحضر، وتُشكل جريمة يعاقب عليها الشرع والقانون مثل كل الجرائم التي فيها تعد على النفس البشرية .
لذلك فإننا يومًا بعد يوم نشاهد أو نسمع عن مشاجرات ومضاربات فردية أو جماعية تستخدم فيها الأيادي أو الأسلحة البيضاء أو حتى الأسلحة النارية، وتصل في الغالب إلى الضرب والطعن، وربما وصلت إلى القتل؛ وذلك يتنافى مع طبيعة مجتمعنا السعودي المسلم وشريعتنا السمحة التي توصي بالتآخي والترابط والتكافل الاجتماعي؛ خاصة ونحن أسرة واحدة نعيش تحت مظلة السلام، وعلى أرض المحبة.
وخير شاهد على ما تقدم ذكره ما شهدته مؤخرًا محافظة حفر الباطن من مضاربة جماعية عنيفة تُشبه “حرب الشوارع” بين عدد من المواطنين وأحد المقيمين؛ حيث استخدمت فيها كل وسائل العنف بل تطورت تلك المعركة حتى وصلت إلى استخدام الدهس بالسيارة من خلال ما أظهره مقطع فيديو وثّقه أحد شهود العيان، ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي .
وإذا ما دققنا في هذه المضاربات التي حدثت، وما زالت تحدث في جميع مناطقنا ومحافظاتنا؛ فإننا سنجد أن أسبابها تختلف من حالة إلى أخرى، فمنها المرتب له بتخطيط مسبق؛ نتيجة لخلافات سابقة بين أطراف المضاربة، ومنها ما ينشأ في مسارح الحوادث، سواء في الطرقات أو في المراكز التجارية أو في الحدائق العامة أو عند المدارس، وغالبًا تكون النتائج وخيمة؛ وخاصة أن أطرافها في الغالب تتراوح أعمارهم ما بين العقدين الثاني والثالث .
ويرى الكثير من الباحثين النفسيين والتربويين بأن المضاربات أصبحت ظاهرة ملحوظة في مجتمعنا، مرجعين أسبابها لشخصية الفرد ذاته كأحد أطرافها، فشخصية الإنسان وتركيبته النفسية، لها الدور الأكبر في مثل هذه المضاربات فهناك الشخصية الحساسة والمهيأة للاستثارة السريعة، والتي تثور من أول شرارة، وعادة ما تكون هذه الشخصية طرفًا ثابتًا في كثير من المضاربات، وهناك الشخصية (المضطهدة) التي تحمل في داخلها صور وتجارب الاضطهاد، وعدم إنصافه من الغير، فتحاول وبطريقة متهورة الدفاع عن نفسه بأي طريقة مهما بلغت درجة العنف فيها؛ حيث يعمد لتصفية حساباته بنفسه، كما أن هناك عوامل أخرى تُعد بمثابة الوقود الذي يزيد من اشتعال نار المضاربات، مثل: تعاطي المخدرات وضعف الوازع الديني، وتردي الظروف الشخصية والأسرية.
وختام القول، وحتى لا تستفحل هذه الظاهرة، وتأخذ أبعادًا خطيرة تحول أبناءنا إلى عدوانيين وقتلة، وتنبت في قلوبهم الأحقاد والأضغان، وتتطور هذه العداوة، وتصل إلى مستوى الأسر أو القبائل؛ فانه يتطلب من كافة أفراد المجتمع والمنزل والمدرسة ترويض هذه الظاهرة وتكاتف الجهود لقطع دابرها، وبذل المزيد من الجهود من جميع الجهات ذات العلاقة؛ وخاصة الأمنية منها وذلك من خلال الحث على السلوكيات الرشيدة وضبط النفس، ورفع معدلات الوعي والتثقيف في مختلف المراحل العمرية، وكذلك استغلال منابر “خُطب الجمعة”، وجميع وسائل التواصل الاجتماعي في التوضيح لجيل المستقبل خطورة ما يقترفونه من أفعال قد تُرمي بهم إلى وحل الجريمة، وعرض بعض التجارب التي نتجت عنها، وقد تكون أفضت للقتل، ثم ذهبت بصاحبها إلى ساحات القصاص.
وخزة قلم :
غياب الرقابة المجتمعية والأمنية، وتقليص العقوبات التي عادةً ما تنتهي بحفظ الدعوى أدى لتصاعد هذه الظاهرة، وتكرار حدوثها .