د. عبدالله العساف

الانتداب الإيراني على أفغانستان!

قال صاحبي: بعد إعلان الرئيس الأمريكي بايدن عزمه على الانسحاب من أفغانستان، زادت التكهنات عن الأسباب، والمآلات، والتوقيت، بين مؤيد ومعارض، ولكل منهما أدلته التي ساقها ليبرهن بها على رؤيته لهذا الانسحاب، ما يهمنا هنا تحديدًا، هو تداعيات الانسحاب على منطقتنا، والدور القادم لإيران في أفغانستان، وما خطواتنا القادمة تجاه هذا التحول؟
المُتابع للسياسة الأمريكية الجديدة خلال الأشهر الأولى لها في البيت الأبيض، يُلاحظ بجلاء تحولًا نوعيًا في الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة بشكل عام!، يبرره المؤيدون لهذه الإستراتيجية برغبة واشنطن بخفض التصعيد في المنطقة عن طريق الحوار معهم، وتعيين وكلاء لها في مناطق نفوذها السابقة، لتتفرغ لمواجهة التهديد الحقيقي لخصومها الصاعدين اقتصاديًا وعسكريًا.
بينما يراه الفريق الأخر المعارض للنهج الأمريكي، تنازلًا عن ترليون دولار من الخزانة الأمريكية صُرفت على الحضور العسكري في أفغانستان خلال العقدين الماضيين، بالإضافة إلى التضحية بما يزيد عن 2500 جندي أمريكي، بل يذهب هذا الفريق إلى القول بخيانة أمريكا لحليفتها أفغانستان، بتركها تغرق في حالة من الفوضى! وتحويلها إلى بيئة خصبة جاذبة للجماعات الإرهابية.
والآن وقد شرعت أمريكا بالانسحاب التدريجي من أفغانستان، يجب علينا أن نتساءل ما انعكاساته الأمنية والسياسية والاقتصادية، على أفغانستان أولًا، وعلى العالم ثانيًا؟ هل ستعود أفغانستان إلى حقبة ما بعد التسعينيات؟، وهل ستتحول إلى المستنقع الذي تسعى واشنطن لجلب خصومها إليه، ثم إغراقهم فيه؟، هل هو محاولة لتعطيل مشروع الطريق والحرير، وإيقاف نمو الاقتصاد الصيني الذي تضاعف خمس مرات خلال سنوات قليلة؟ هل هو لتعطيل خط الغاز الروسي؟ أو لهما، ولمآرب أخرى؟
تشكلت حول أفغانستان خلال السنوات الماضية مجموعة من المصالح الجديدة للقوى الدولية والإقليمية؛ لذا لم يكن من المستغرب أن يُصاحب الانسحاب الأمريكي حراك دولي روسي، صيني، إيراني، باكستاني، هندي، وغيرها من الدول، ولكل منها مصالحه الإستراتيجية، وما يهمني هنا هو التدخل الإيراني المبكر، والتغلغل في نسيج المجتمع الأفغاني من خلال الأدوات التي تُجيد استخدامها طهران، من الميليشيا المغلفة بدين الملالي، إلى الطائفي وبينهما التعليم المؤدلج بتعاليم التشيع السياسي، والدعم الاقتصادي الملغوم بتعاليم قم.
سعت طهران مبكرًا لاختراق المجتمع الأفغاني، فلم تكتفِ بالمراقبة؛ بل سعت لتقوية نفوذها، من خلال دعم وتكثيف أدواتها المتنوعة، ورضيت بمد يدها لطالبان، وفق تقيتها الدينية، وبراغماتيتها السياسية، حتى تتمكن من تكوين كيانات موازية لطالبان، يأتي على رأسها ميلشيا “فاطميون”، الذي استعيدت بعض قيادته من سوريا، من أجل التمكين للتغول الإيراني في الجارة الشرقية، وهذا ما أثار قلق وخشية الحكومة الأفغانية، من تقوية ونفوذ الطابور الخامس بعد عودة -الأفغان السوريين- الذين أصبحت لديهم خبرة قتالية كبيرة في حرب المدن، وصناعة المتفجرات، وهو ما يُشكل تهديدًا مباشرًا لحكومة كابل بالدرجة الأولى، وليس لطالبان.
سوف يتضاعف التدخل الإيراني في أفغانستان، بعد اكتمال الانسحاب الأمريكي، وهذا يُعيدنا للذكرى المؤلمة للانسحاب الأمريكي من العراق وتسليمه للملالي، وهذا ما ظهر عبر استضافة طهران اجتماعًا بين حركة “طالبان” وحكومة كابول، في السابع من يوليو الجاري، في رسالة واضحة عن نوايا طهران لممارسة دور أكبر في الداخل الأفغاني، وهو ما يجعل من النفوذ الإيراني مُهدِدًا كبيرًا لدول المنطقة، وتعزيز لنفوذها، على نحو يتطلب وضع سيناريوهات عملية لمنع التمدد الإيراني في الداخل الأفغاني.
يعزز ما سبق دراسة خاصة أعدها مركز خدمات البحوث لدى الكونغرس الأمريكي، بعنوان “الكونغرس والشرق الأوسط 2011-2021” دراسة حالة لبعض دول الشرق الأوسط، خلاصتها عدم جدوى العقوبات العسكرية والاقتصادية على إيران، نتائج هذه الدراسة – بغض النظر عن مصداقيتها- ساهمت في صياغة التوجهات الأمريكية أوباما/بايدن تجاه إيران!!

قلت لصاحبي:
اتسعت دائرة الخطر والشر من أفغانستان إلى لبنان.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button