(يبغى لك شهار! ياخي أنت مريض نفسي! شكلك نفسية! )
الله على – هذه العبارات- التي كانت تُقال في زمنٍ ماضٍ عندما كنا نعجز في التعامل مع شخص أو الوصول إلى حلٍ يُرضيه.
كانت هذه العبارات مثار التهكم والسخرية والانتقاص من ذلك الشخص أو من تصرفاته (وقليلُ ماهم).
اليوم تُطالعنا صحيفة رسمية بأن عدد مراجعي العيادات النفسية بلغ أكثر من نصف مليون مراجع خلال سنة واحدة فقط!
ولو حسبناها – بالبلدي- وقسمنا النصف مليون- رغم أنها أكثر- على ١٢ شهرًا لحصلنا على قرابة ٤٢ ألف مراجع شهريًا يراجعون العيادات النفسية!
ولو استمرينا في – حسبة البلدي- وحبينا نعرف عدد المراجعين بشكلٍ يومي، نقوم بتقسيم ٤٢ ألف على ٢٢ يوم عمل في الشهر، لوصلنا إلى معلومة تقول: إن ألفين مراجع يوميًا يراجعون العيادات النفسية في مناطق المملكة!
اسمحوا لي ووافقوا على تقبل هذه الحسبة التقريبية؛ لأن المحصلة المؤكدة في الأخير هي أن هناك أكثر من نصف مليون مراجع العيادات النفسية.
ورغم أن العيادات النفسية في الدول الأوروبية تُعتبر بشكل عام أهم من العيادات الطبية العادية؛ حيث نجد أن رسوم الدخول على العيادة النفسية أغلى من العيادات الصحية الأخرى. وهذا يدل على أنهم كانوا، ومازالوا يسبقوننا بعقود فيما يتعلق بالاقتناع بمراجعة الطبيب النفسي، إلا أن هذا ليس محور حديثي، ولكن الشيء بالشيء يُذكر.
أعود فأقول: إن عددًا ضخمًا كهذا لم يكن موجودًا سابقًا، وإن كانت الحالات موجودة إلا أنها لم تكن بهذه الكثرة، وهذا يدل على أحد أمرين:
– إما أن تكون الحالات موجودة سابقًا، ولكنها لا تُراجع العيادات النفسية خوفًا من وصمة العار التي – ما أنزل الله بها من سلطان- وبالتالي (تمشّي) تلك الحالات أمورها من خلال الكبت المستمر، وبالتالي تتحور ضغوطهم اضطرابات سيكوسوماتية، وهي أمراض تؤثر فيها العوامل الذهنية والنفسية للمريض تأثيرًا كبيرًا في نشوئها وتطورها على جسده، ويظهر ما يُسمى بالصداع النصفي، والأكزيما، والقرحة، والقولون العصبي والضغط ونحوها.
– وإما أن تكون الحالات فعلًا قليلة ولكنّ تزايد الانفجار الحياتي في مختلف جوانبه وتسارع الحياة ألقى بظلاله على نفسيتي ونفسيتك ونفسية الأكثر من نصف مليون المذكورة أعلاه وعرّضها للضغوط وقادها نحو: القلق، والاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة، ونوبات الهلع، واضطرابات الشخصية الحدية، والفصام – وما أدراكم ما الفصام – فأصبحت صلابتنا النفسية ليست كالسابق لا سيما في عصرٍ مليء (بڤايروس المقارنات والبرستيج المرضي) الذي جعل الفتاة تتطلق بعد أسبوعٍ من زواجها، والشاب (يطنقر) من أبسط خلاف، وينتج عن هذا البرسيتج زوجة تُعاني من صدمة الطلاق والنظرة الدونية لها – رغم خطأ النظرة – وشاب يافع يشتغل رأسه ولحيته شيبًا جراء التفكير في كيفية الوصول إلى أطفاله الذين (لوت ذراعه الزوجة بهم) وحرمتهم منه وحرمته منهم! وهنا يقع السؤال الكبير الأليم: كيف ستكون نفسيات هؤلاء الأطفال؟!
هذا مثال بسيط لأحد أسباب الاضطرابات النفسية لدى الزوجين، وهناك الكثير من الأسباب الأخرى التي لا مجال لذكرها، ولكن التفكك الأسري من أبرز تلك الأسباب لا سيما إذا كان من أسبابه تعاطي المخدرات، ولكن ما دمنا في عصر السوشيال ميديا؛ فلا بد أن نوضح بأن هذه التقنيات قد أخذت كعكتها من نفسيتي ونفسيتك.
في عام ٢٠١٧ أجرى الباحث علي الدغريري من جامعة الملك خالد دراسة بعنوان: إدمان شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالشعور بالوحدة النفسية لدى المراهقين، وأظهرت نتائج بحثه عن وجود علاقة قوية بين إدمان تلك الشبكات والوحدة النفسية تلك الوحدة التي ستكون بوابة ملكية لدخول الكثير من الاضطرابات النفسية إلى حياة أولئك المراهقين، والتي لا تقل اتساعًا عن (بوابة شهار).