من المشاكل التي صارت حديث الناس في مجالسهم في السنوات الأخيرة مشكلة غلاء الأسعار، والتي أصبحت عنوانًا عريضًا لمعظم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يُعاني منها العالم على وجه العموم والعالم العربي على وجه الخصوص؛ فقد بات من أقصاه إلى أدناه، ومن محيطه إلى خليجه، يئن ويشكو من ارتفاع الأسعار؛ حيث وصلت أسعار بعض السلع إلى أرقام جنونية، لا تتناسب على الإطلاق مع الدخل الشهري للمستهلكين؛ فالأسعار تشتعل والجيوب تحترق والمواطن البسيط المغلوب على أمره، يُطحن بين رحى الغلاء !
ومن المضحك المُبكي أن بعض المسؤولين في معظم اللقاءات الحوارية التي تُجرى معهم عبر الشاشات الفضية، تأخذهم العزة بالإثم فيتحدثون من أبراجهم العاجية التي سرعان ما تتهاوى بهم بعد مشاهدة تلك اللقاءات التي تثبت لنا يومًا بعد يوم أن المواطن في وادٍ وبعض المسؤولين في وادٍ آخر؛ حيث تكشف حواراتهم حرصهم على إبراز الأنا بحسب ما تقتضيه مصالحهم، بل إن هناك من المسؤولين من يُباشر أعماله من على كرسيه الدوار الذي يعتقد أنه قد تملكه، وهو لا يعرف شيئًا عن حياة المواطنين وما يعانونه من قساوة في عيشهم.
وما تصريحات رئيس اتحاد الغرف السعودية، والتي ذكر فيها أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالمملكة غير مبالغ فيه، وأن هناك منافسة كبيرة في هذا القطاع إلا واحدة من تلك التصريحات التي تحمل في طياتها كل أنواع الاستفزازات للمواطن الذي بات يصارع قوته اليومي مع كل ما يُعانيه من ويلات هذا الغلاء الفاحش الذي طال كل السلع، وتناسى ذلك المسؤول البرجوازي أنه لم تعد هناك سلعة أو خدمة يُحصل عليها المواطن بسعر معقول، والذي طال حتى سعر صحن الفول الذي يعد صديق المائدة اليومي !
فكانت هذه التصريحات بمثابة قُنبلة أثارت زوبعة من الانتقادات التي تصدرت معظم وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تجعلنا بدورنا نطلق عشرات الأسئلة عن دور اتحاد الغرف السعودية في خدمة المواطنين، وتذليل كل الصعوبات التي تواجههم، وهل مثل هذه التصريحات مبنية على دراسات من أرض الواقع أم أنها مجرد تبريرات لما يدور من خلف كواليس الموردين والتجار؟!
ومن المسؤول عن كل هذه الارتفاعات في الأسعار؟!
وهل هي لعبة الأسواق العالمية، أم أنها نتيجة للتضخم المحلي والعالمي؟!
ومن هذا المنطلق فإن المواطن لا يحتاج إلى مسؤول يُبرر له أخطاء الوزارات أو أي قطاع من القطاعات معتبرًا أن ما يحدث على أرض الواقع بمثابة شيء طبيعي بل يحتاج إلى من يراه بقلبه قبل أن يراه بعينه، فالتاريخ لا يرحم من ينظر للناس من برجه العاجي بل سيدون اسمه في سجل أسود، وسيبقى تاريخه كتابًا مفتوحًا تقرأه الأجيال جيلًا بعد جيل.
فالمسؤول يجب عليه الرؤية من زاوية بعيدة عن إغراءات وثقل المنصب حتى لا يتخطى حدود مسؤوليته؛ فيتحول إلى جلاد يجلد بسياطه ذلك المواطن الذي لاذنب له إلا أنه صرخ بأعلى صوته في وجه ذلك الشبح الذي يطارده في كل مكان يذهب إليه لشراء احتياجاته الحياتية.
ومسك الختام رسالة تحمل بين طياتها دعوة ورجاء إلى كل المسؤولين في كافة القطاعات الحكومية والخاصة بأن يراعوا مصالح المواطنين، وأن يضعوا خدمتهم نصب أعينهم كما أن عليهم التدقيق في كل التصريحات التي يطلقونها عبر وسائل الإعلام المختلفة، فالمواطن رغم كل الظروف المحيطة به إلا أنه بات يميز بين الغث والسمين لذلك فحدثوه بما يُعقل لا بما يجعلكم مثارًا للسخرية والنقد.
وخزة قلم:
مثل هذه التصريحات تزيد من جشع التجار، وقد تكون السبب في احتكار السلع وزيادة أسعارها.
أود أن أدير معك حديثاً طويلاً عن المواطن و الغلاء و الشقاء و الوحدة و قبح الواقع المرير الذي يعيش به و جودة الحياة ، و لكن اعذرني فأنا لا أملك أي طاقة في الوقت الحالي ، و أنت لست هُنا لسماع كل شيء .
المواطن المسحوق ذو الدخل المحدود بات يا سيدي من شدة الغلاء و قسوة الحياة يسترق النظر إلى أعماق الاغنياء فلا يري في داخلهم الا طوفان من ” الفسقة و البطر ” يطير تارة في وجهه و تارة يطير في الهواء ، فيقارن أعماقهم بأعماقه فتبدو له نفسه أشبه ما تكون بمقبرة خالية من الأحياء ، و في اعماقهم تبدو له احلام بيضاء تنزلق بها قدمه فيهوي في عتمة الملاجىء الف مرة و مرة ، و لكنه ينسب ذلك السقوط كعادته لحظه العاثر و لتقلب المناخ و سوء الاحوال الجوية.
ذنبهُ عظيم من يطفئ شغف و حلم مواطن من ذو الدخل المحدود و يتركه يصارع التساؤلات ، و يبحث عن عيوبٍ في نفسه تفسِّر له سوء تقديره للعيش الكريم في وطن ليس به من الاحياء احياء ، و يرجو من الله العلي القدير ان لا يكون و لو لمرة واحدة من هؤلاء الاغنياء ، و ان يخلصه الله فقط من لعنة التعريفات التي بني عليها ردود افعاله تجاه قضايا متفرقة ، تحسين وضعه المالي و الاجتماعي ليست واحدة منهن علي الاطلاق .
يصرخ ذو الدخل المحدود في كل ثانية من الجوع و الغلاء ، و الاغنياء يحدثونه في كل ثانية كذلك عن الإحتباس الحراري ، و طيور الفلامنجو المهددة بالإنقراض ، و عن كل مشاكل الكوكب ، و الكواكب السبعة المكتشفة حديثاً خارج المجموعة الشمسية ، وعن الطيور المسكينة المهاجرة من القارة الأفريقية عبر البحر الأحمر و يقتلها علي الساحل المقابل فقراء يفتقرون للشفقة و الرحمة و تفتقر ايديهم لايدي الملائكة .
ذو الدخل المحدود بيننا يشعرون بانهم أبناء مواسم التعب ، و ضحايا المسافات ، و من كتب عليهم ان يتساقطوا على مر الأيام ، و لم يتكفل أحد بجمع شتاتهم من التراب .
تحياتي