تمرُ الأيام والأشهر والسنوات على المرء، والبعض من المسلمين لا يهتم بالصلاة بالمسجد، وإذا سألته عن السبب فقد يُجيب بأنه يصلي بالبيت وأن صلاة المسجد ليست واجبة عند بعض الفقهاء الأربعة، ورغم صحة كلامة مع تفصيل للعلماء في هذا الشأن، إلا أنه لا يعلم أن هذا من حيل الشيطان ومكره، فهو بهذا الاعتقاد قد ضيّع على نفسه واحدة من ألذّ ساعات اليوم وأمتعها، وأكثرها أجرًا، والتي يكون فيها أقرب لله تعالى، وبصحبة عباده الصالحين، وأنه قد خسر الآلاف بل الملايين من الأجور والحسنات والضيافة والنور والطمأنينة.. و…و والتي لا توجد إلا في بيوت الله (المساجد).
وتعالوا معي نكتشف كنوز (المسجد)، والذي هو هبة من الله تعالى لعباده المؤمنين..
1. المسجد هو بيت الله تعالى، وبه ضيافة ( نُزل) لكل من يدخله، ولا غرابة فالملوك يكرمون ضيوفهم، والله تعالى هو ملك الملوك، وهو أكرم الأكرمين..
قال صلى الله عليه وسلم: (منْ غدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أعدَّ اللَّهُ لَهُ في الجنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدا أوْ رَاحَ) متفقٌ عَلَيهِ.
فكم من الضيافات والنُزل فاتتك ياتارك صلاة المسجد..!!
2. صلاة الجماعة بالمسجد تُفضل عن صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، وهي مثل موظف قيل له تعمل من البيت راتبك ألف ريال، وإن حضرت لمقر العمل فقط يزيد راتبك ليصبح ٢٧ ألفًا، فهل هناك عاقل يختار البيت وهو قادر؟؟!
قال -صلى الله عليه وسلم-: (صلاة الجماعة أفضلُ مِن صلاة الفذِّ بسبعٍ وعشرين درجةً) متفق عليه.
3. الذي يصلي بالبيت، وهو قادر حرم نفسه من حسنات الطريق، وكفارات الطريق؛ حيث إن كل خطوة يخطوها للمسجد تُكتب له بها حسنة والثانية تحط عنه سيئة، ولو افترضنا أن معدل الخطوات للمساجد نحو ٢٠٠ خطوة، فتكون الخمس صلوات بألف حسنة وألف سيئة يمحوها الله تعالى، وخلال سنة ٢٠٠ خطوة x ٣٦٥ يومًا= ٧٣٠٠٠ ألف، وخلال عشر سنوات (730.000حسنة) فهل أدركت مدى خسارتك بصلاتك في بيتك وأنت قادر؟
4. النور الذي تلمسونه في حياة البعض في أعماله، علاقاته، عمله، منزله، قراراته، نفسيته وغيرها مستمد من الله تعالى، ويهبه لعُمار المساجد..
حيث قال تعالى في سورة النور: (۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ …..) الآية (35)
ويقول بعض أهل التفسير: أي أن الله هادي أهل السموات والأرض..
ثم تأتي الآية التي تليها بقوله تعالى:
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36))
أي أن هذا النور وهذه الهداية تكون أعظم ما تكون في بيوت الله، وقد كان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- في صلاته بالمسجد (اللهمَّ اجعلْ في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعنْ يميني نورًا، وعنْ يساري نورًا، ومنْ فوقي نورًا، ومنْ تحتي نورًا، ومنْ أمامي نورًا، ومنْ خلفي نورًا، واجعلْ لي في نفسي نورًا، وأَعْظِمْ لي نورًا) حديث صحيح.
فهل عرفت سر غياب ذلك النور في حياة من يترك صلاة المسجد ؟؟
5. صلاة الفجر في جماعة تعدل قيام ليلة كاملة، وصلاة العشاء جماعة تعدل قيام نصف ليلة، فإن فاتتك الصلاتان جماعة فقد فاتك الخير العظيم، وكنت قادرًا على كسبه!
6. الجلوس في المسجد قبل الصلاة وتلاوة ماتيسر من القرآن أو الانشغال بذكر الله، وكذلك بعد الصلاة من أمتع لحظات اليوم، حيث الخروج من صخب الحياة وهمومها ومتقلباتها للجلوس ضيفًا على مولاك الحي القيوم الذي وعدك بالخير والمغفرة والجنة، وملائكته الكرام يصلون عليك ويدعون لك، وهي لحظات يرتفع فيها معدل الإيمان وتصفو النفس بالسكينة، وتطمئن بذكر الله، بل هي بمثابة الرباط على الثغور والحدود في سبيل الله..
قال -صلى الله عليه وسلم-:
(ألا أدلُّكُم على ما يَمحو اللَّهُ بهِ الذُّنوبَ ويرفعُ الدَّرجاتِ قالوا بلى يا رسولَ اللَّهِ قال إِسباغُ الوضوءِ على المَكارِه وَكثرةُ الخُطا إلى المسجِدِ وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ فذلِكَم الرِّباطُ) رواه مسلم.
فهل أدركت يا مضيع صلاة الجماعة وأنت قادر مكان (السكينة والطمأنينة والراحة) التي تبحث عنها منذ زمن.. إنها بالمسجد…
7. من صلى البردين (الفجر والعصر) فهو موعود بالجنة وسيصعد الملائكة الكرام ببيان بأسماء المصلين، واسمه موجود بينها، وسيتكرر ذلك خمس مرات يوميًا، حتى يصبح اسمه معروف عند الملائكة الكرام.. قال صلى الله عليه وسلم: (مَن صلى البَرْدين، دخل الجنة) متفق عليه (البردان الفجر والعصر).
وقال: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ، وَصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهو أَعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ..)
فهل ترضى أن يخلو بيان الملائكة الكرام لربهم من اسمك..كل يوم.
8. يفرح الله فرحًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه بوجود عبده بالمسجد، ويتبشبش له، ويتلقاه ببِرِّه وتقريبَه وإكْرامَه، ويُوَفِّقُه للطَّاعةِ، ويغمُرُه بالرَّأفةِ والرَّحمةِ.
قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما تَوَطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجِدَ للصلاةِ والذكْرِ، إلَّا تَبَشْبَشَ اللهُ لَهُ منْ حينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، كَمَا يتَبَشْبَشُ أهلُ الغائِبِ بغائِبِهِمْ، إذا قدِمَ علَيْهم) صححه الألباني.
9. الصلاة في المسجد علامة التقوى للمسلم، والطريق لجواز الصراط يوم القيامة؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (المسجد بيت كل تقي، وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة) فلا تفوت على نفسك هذا الفضل..
10. الصلاة في المسجد علامة الإيمان؛ حيث قال تعالى مادحًا عُمار المساجد. -: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18]
وأخيرًا..
المساجد مستراح للأرواح الطاهرة، ومأوى ومستقَر للأجساد العابدة، وموطن طمأنينة ومكان سكينة للقلوب النقية، وموضع سعادة وأنس وجمال للنفوس المطمئنة، إنها بيوت الله في الأرض، التي لا يتعلق بها قلب مخلص إلا كان علامة على تقواه، ولا يلازمها عبدٌ صالح إلا رفع الله شأنه، وطهَّر قلبَه، وغلب أعداءه.
اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وحب بيوتك وعبادك الصالحين..
———-
*باحث في تاريخ وآداب الحرم.
بارك الله فيك وحفظك ونفع بك