منتثرٌ بين قضاء لم يرقب ما تريد، وطموح يتعاكس مع الواقع، ومطالبات تتجدّد كل صباح لا تفي لك بما تطمع، كل هذا يصنع فيك شتات لا تستطيع معه أن تراقب القادم فتنتظره، ولا الواقع فتستصلحه، وبين هذا وذا رؤية حُرمت التمييز، وضباب أحاق بالأفق.
قد نتشظّى بعد أن نقع، ولكن أن تكون كذلك قبل أن تنطلق فهذا بدع في حالته، جديد في صف البدايات، إذْ لا يمكن حتى أن تستجمع قواك، ولن يسعفك الحال لتضم خطوة إلى أخرى.
يأتي الضياع نتيجة مرحلة، وخاتمة لحقبة، ويطال التسلسل بقوته، ليصنع دائرة متشابهة المعالم، متماثلة النهايات، فكل طرف يصنع ما بعده، وكل عنصر مستسقى مما قبله، لتجد نفسك في حلقة لا تنقطع، وسلسلة لا تنتهي.
أزعم أننا في هذه الحالة لا نحتاج سوى قطع ذلك التسلسل، وإتقان الاجتماع قبل الانطلاق، وإعادة تأهيل تلك الممتلكات لتهيئتها على وجه يمكن من خلاله المضي، وعلى أقل تقدير تفرقة الضباب في سماء تلك النقطة.
من المسلمات حول نشأة ذلك الفصل في حياتنا، وجودنا داخل محور الشر، والذي حكاه المختصون قديماً وحديثاً وعرفناه لاحقاً بعتبة الماضي وصعوبة الانعتاق وإدراك نهاية الطريق دون معرفة الطريق، وثقة مهزوزة، وآخرها في نظري سعي مطلق للكمال، وتلك السياجات الأربع، هي من يقرر الشتات من عدمه، وهي على الحقيقة من يجعلك في حال أشبه ما تكون بمرحلة ما بعد البنج، فلست فاقداً للوعي فتعتذر لهدفك بقدرك، ولست طبيعياً لتحاسب نفسك لجهلك.
الوقوف كثيراً على الماضي يمنعك التقدم، ويحرمك رؤية الفرص، ويحيطك بحبل يجرك أليه بقدر ما يريك ضده، وليست حكاية الشمعة والظلام بمنأى، فانشغالك عن إشعال البديل في تلك الظلمة لم يكن بسبب ضعف المورد، وقلة البصيرة، ولكن انقطاعك في لعن الظلام وذلك الماضي، كان كفيلاً بتحجيم العقل حتى عن مجرد التفكير، بل والتفكير البسيط كذلك.
انسياب فكرك في نهاية الطريق دون استبصار أوله، وتأمل منعطفه، كفيل بخلق شتات ممنهج، حتى تذهب لحظاتك عليك حسرات، فالعين منشغلة بذلك المنعطف الأخير “كما تعلم”.
الثقة التي لا تملك منها إلا ما يضعفك ويحط من شأنك أمام نفسك بالمقام الأول ومن ثم الأخرين قادرة على لعثمة خطواتك، حتى وإن تعافيت زمناً، وبادرت إلى النهوض، فستبقى رؤيتك القاصرة لذاتك مناط التقصير في توجيهها، ومادامت فشلت في توجيه ذاتك نحو ما تستحق فهل ترجو من غيرك أن يحق الحق لك ومعك؟
ويأتي حب الكمال وسقفك العالي في كل النتائج مهيمناً، ومعقّداً لكل الخطوات، ومذيباً نموذجي لكل ذلك الجهد المزمع تقديمه، وبه تكتمل عملية الضياع، ومشهد الشتات، ويأخذك التطلّع المشؤوم إلى زاوية مكتظة بالفاشلين، أصحاب الأحلام المستحيلة، والخطوات المعدومة، وملّاك الأفكار البائسة.
أخيراً…. مصرعك في كمال منشود تقارب مع المحال، وماضٍ أذبت فيه الحال والمقال، وثقة مهزوزة يستحيل معها كل منال…..وللسقوط بقية.