عبير صالح عطوة

“علم السعادة” في مناهجنا التعليمية

عندما يفكرُ الإنسان في تغيير حياته للأفضل؛ فهو يحتاج أن يطوّر نفسه، وأن يرفع مستوى إدراكه العقلي؛ بحيث يجعل الظروف المحيطة به تتلاءم بشكل أكبر مع أهدافه بمعنى أن يمتلك طاقة إيجابية تدفعه نحو الإنجاز، وهذا باختصار هو الطريق إلى السعادة.

ولعلي أستشهد هنا بوصف الفارابي للسعادة، وهو من أشهر الفلاسفة العرب؛ حيث قال: “أعظم الخيرات لا تكون بالمنافع الحسية وشهوة التملك بل بسعادة العقل الذي يدرك به الإنسان ذاته ووجوده وخالق الكون”.
ولقد أدت إحدى الدراسات التي قام بها عالم النفس البروفيسور الأمريكي “ميهالي شيكزنتميهالي”، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، إلى تأسيس نظريته العلمية بعنوان “التدفق”، والتي تُعد من أهم أدوات دراسة “علم السعادة”، وفي محاضرته الشهيرة “التدفق.. السر إلى السعادة” قال البروفيسور ميهالي: “التدفق حالة عقلية مركزة للغاية للأنشطة التي يُمارسها كل منا مثل: العمل، القراءة، وغيرها من الأعمال التي تحقق السعادة لصاحبها”، وحتى يصل الإنسان لهذا الشعور “تدفق السعادة” فيلزمه أن يختار عمل يحبه، وأن يؤدي هذا العمل بقوة تركيز عالية جدًا، حتى يجد نفسه منغمسًا في أدائه مما سيؤدي لانسياب مشاعره الجياشة، ومن ثم شعوره بلحظة “التدفق”، والتي تحدث عادةً بسبب ما يحصل عليه الإنسان من ردود أفعال قوية من الناس كالإطراء والثناء أو حتى بدون ردود أفعال من أي شخص، ويكتفي فقط بما حققه من ذروة التركيز العالية، والتي جعلته يشعر بـ”تدفق السعادة”.
وإيمانًا منها بأهمية السعادة؛ فقد قامت مؤخرًا جامعة برستول البريطانية في المملكة المتحدة بتدريس مادة تحمل اسم “علم السعادة” ضمن مناهجها الأكاديمية، وذلك بهدف دراسة تأثير العزلة والوحدة على الجهاز المناعي وأهمية التفاؤل في زيادة الأعمار، وكيف يُنشِّط فعل العطاء نظام المكافأة في الدماغ، وكانت النتائج التي سجلتها الجامعة تشير إلى تحسن ملحوظ في الصحة النفسية لدى الطلاب الذين تلقوا هذا العلم مما انعكس بشكل إيجابي على أدائهم وتحصيلهم الدراسي، على عكس الطلاب الذين لم يتلقوا هذا العلم؛ حيث كان أداؤهم الدراسي أقل نشاطًا وكفاءة.
ما أود الإشارة إليه أنه من المهم جدًا أن يستوعب أبناؤنا وبناتنا الطلاب والطالبات ماهية “علم السعادة”، ولذا أرى أنه من الضروري بأن يطبق هذا العلم في مناهجنا التعليمية في المملكة العربية السعودية، بهدف تمكين الطلاب من إيجاد السعادة والتعمق في مفاهيمها علميًا ونظريًا، والتعرف على أدوات هذا العلم وشروطه وأسراره من خلال المشاركة في أنشطة ومبادرات يقودها الطلاب دون الحاجة إلى اختبارات أو واجبات؛ وذلك حتى يتقنوا حسن التصرف وإيجاد الحلول المناسبة لمواجهة التحديات والعقبات بأسلوب مرن ونفس راضية وروح متقبلة، خاصة أن السعادة من أهم أسباب جودة الحياة ومن أهم الطرق للاستمتاع بالحياة.
وأختم هنا بالإشارة إلى تقرير السعادة العالمي لعام 2021م، والصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة؛ حيث حصلت السعودية على المرتبة الأولى عربيًا و21 عالميًا في مؤشرات عام 2020م، ويركز التقرير على قياس تأثير تداعيات جائحة فايروس كورونا على مقومات السعادة وجودة الحياة العالمية، وهذا يدل على حرص حكومتنا الرشيدة بجودة الحياة وسعادة ورفاه المواطنين والمقيمين، مما يؤكد نجاح استراتيجية رؤية المملكة 2030م بما يتعلق بمفاهيم ومجالات “جودة الحياة”.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button