المقالات

نحو علاقات عمل إنسانية

الحياة ميدان نضال ومنافسة محتدمة منذ بدء الخليقة عندما نشأت تلك العداوة المبطنة بالحسد والكبرياء بين إبليس الرجيم وأبي البشر آدم عليه السلام، ({وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61].

ثم تلاها حادثة الغيرة الشريرة والحسد المشؤوم بين ابني آدم الذي تمخض عن جريمة قتل أتت كانتقام على هيئة انتصار للذات {۞ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].
ولذا جاء الإسلام ليوطد العلاقة بين الناس؛ ليكون التعايش في ضوء ميثاق أخلاقي يحكم تصرفات الفرد وسلوكه وتعامله ليسد بذلك منافذ الشر التي قد تفضي لجرائم لا تنتهي، ذلك ما أكّد عليه المصطفى في الحديث الذي رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَحَاسَدُوا، ولَا تَنَاجَشُوا، ولَا تَبَاغَضُوا، ولَا تَدَابَرُوا، ولَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، ولَا يَخْذُلُهُ، ولَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، ومَالُهُ، وعِرْضُهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
ذلك توجيه كريم من لدن من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؛ ليضع حدًا لما يجب على المسلم الالتزام به كمسافة آمنة تضمن سلامة التعامل في ضوء الحقوق والواجبات لكل طرف؛ لينأى بالفرد عن معكرات المزاج أو مكدرات الخاطر أو ما يجلب الضغائن والأحقاد أو المماحكات المخلة لسير العمل أو التي تسيء للآخر، وليبقي على سلامة القلب وحُسن العشرة، وجمال التواصل كما تمليه الفطرة السوية النقية.

إلا أنه مهما يربى الإنسان بنفسه عن تلك المشاحنات المكدرة أو المزعجة إلا أنه قد يزج به في بيئة صاخبة تصنع مجابهة حارقة لا تمت للمصلحة بصلة، بل قد تؤثر على جودة المخرجات إذ يحاول كل أن يثبت وجوده كبطل؛ مكابرةً أو معاندة وبالتالي يتسمم الجو العام، وتلتهب العلاقات بشكل مشوه بدلًا من أن يسود التواصل الجيد والتفاعل والتكامل لتحقيق الأهداف المرجوة!!

لسنا بمنأى عن تلك المؤسسات بكافة أطيافها التي يشكو منسوبوها من تغليب المصالح الشخصية، واحتدام الصراع والمغالبة أحيانًا بين ذوي المدرج الوظيفي بين منتقم (لا منتصر) وبين واقع عليه الضرر (لا مهزوم)؛ ليقرر كلٌ ماذا بعد؛ بعد أن يرى نفسه خرج عن بوتقة النسق الأخلاقي الواجب التقيد به كعلاقة تنظم حياة الأفراد لضمان السلام والوئام؟!

هنا سنضع اليد على الجرح لعلنا نجد العلاج الناجع لكثير من تلك الشروخ التي تشوه العمل الجماعي والتواصل الإنساني؛ لصنع بيئة عمل صحية وآمنة يسودها الود والوئام، وذلك بطرح عدة مبادئ ليرتوي منها القلب ريَّــــا يطيب بها وينشرح وليبتهج ويسعد؛ استباقًا قبل أن يحلَّ به الران فيفسده أو يكدره، ومن ذلك:

– احتساب الأجر فيما يقدم مع حسن الطوية باعتبار مايقدم واجبًا يفرضه عليه واقع العمل، وهذا ما سيوجد لديه ملء يغنيه عن أن يأبه لغيره.
– توطين النفس على الصبر والتحمل وتقبل الصدمات كصلابة نفسية تقيه الانهزامية والضعف وذلك بالمران والتعود لقول المصطفى ﷺ :(إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، و إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ).

– التعامل بحسن خلق بعيدًا عن كل ما يعكر أجواء الآخرين أو يجلب لهم الضيق والكدر مع إضفاء لنوع من البهجة والمرح كجسرٍ للتآلف يكسر الجمود تخفيفًا لعتمة الرسميات المملة.

– محاولة تلطيف الأجواء وشرح وجهة النظر لمن يلحظ عليه تغيرًا أو يبدر منه سوء ظن تجاهه كي لا يتطور الأمر لصراع وجود، مع إظهار حسن النية وأن نجاح أحدهما نجاح للآخر في ضوء تكامل العمل المؤسسي.

– البُعد قدر الإمكان عن التباهي بالبطولات، وتضخيم حجم النجاحات فكلما أحيطت الكفاءة بالصمت كلما نطق المنجز بتلك الجهود إشادة أو شهادة.

– ارتقاء الفرد بذاته ليكون بمستوى الحدث؛ مواكبة للتطور ومجاراة للجديد في مجال تخصصه أو عمله أو في مجالات القيادة والتأثير والعلاقات؛ ليستطيع احتواء الجميع وتقبل ما يرده أو يراوده ومن ثم التعامل بكل كفاءة واقتدار.

– محاولة تقديم المساعدة والدعم للزملاء، والتعاون معهم فيما من شأنه الارتقاء بمستواهم؛ مشورة أو تدريبًا أو تنمية بشرية ليكون عاملًا مساعدًا وشخصًا فاعلًا في بيئة العمل؛ ليكسب إزاء ذلك رضا الجميع وقبولهم.

– أرى أن المتمكن الناجح لا يركن للجمود بل يبحث دائمًا عن تغيير بيئة العمل؛ ترقيّا أو تجديدًا، لذلك فإن البقاء في ذات المكان أقرب مايكون لركود الماء الذي يقلل من جودته ونشاط حركته وحيويته الذي يتولد عنه الملل والرتابة.
– يجب أن تنتهج الوزارات والإدارات والشركات عملية التدوير للقيادات والرؤساء والموظفين لما في ذلك من تجديد الدماء، وتبادل الخبرات وإكساب الإدارات والتابعين نمطًا متغيرًا يسير بها نحو الأفضل.

▪️إضاءة إدارية:

اختلاف وجهات النظر تأتي في إطار التنوع الثقافي الذي ينشأ عن تطوير الذات أو تراكم الخبرات أو التعاطي مع المواقف المتعددة، ومن ثم تصب في التلاقح الفكري الذي يثري العمل المؤسسي، وبالتالي يسهم في إحداث نقلةً نوعية نحو الإجادة والتفوق.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button