قال صاحبي: لماذا تتهافتُ الدول العظمى على غزو الفضاء العربي بقنواتها التليفزيونية الإذاعية الموجهة للمواطن العربي، ما المكاسب التي تسعى لتحقيقها، وما الرسائل التي تستهدف إيصالها، من يمولها، ما طبيعة برامجها، ما مصداقيتها؟
تربعت موجات الأثير على الفضاء العربي لخمسة عقود دون أن تُزاحمها الفضائيات الغربية، التي افتتحتها قناة الـ”سي إن إن” بالتزامن مع حرب الخليج الثانية، وتمكنت من إبهار المشاهد العربي، وجعلته يُتابع أحداث الحرب، ويعيش أجواءها، بمحاكاتها تليفزيون الواقع في التغطية الحية، وزاد انبهار المتلقي العربي طريقة نشرات الأخبار، والمراسلين من أرض الحدث، والتحليلات، والأخبار العاجلة، وعدم تكلف المذيعين في لباسهم، وحديثهم، نتيجة المهنية العالية غير المعهودة في الإعلام العربي.
بعد عام 1991 ونجاح الـ”سي إن إن” في تغطية أحداث تحرير الكويت، أصبح الفضاء العربي مشاعًا أمام قنوات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن!، والدول الإقليمية صاحبة المشاريع الهدامة في الوطن العربي (إيران- تركيا- إسرائيل)؛ نتيجة وعي هذه الدول بأهمية المنطقة العربية، وبتحولها لمسرح الأحداث المستقبلية، الأمر الذي يُحتم عليها، احتلال الشارع العربي، وصناعة رأيه، وتوجيهه بما يتفق مع مصالحها، حتى وإن زعم القائمون عليها، بأنها قنوات إخبارية هدفها نقل الحقائق التي تخفى على المواطن العربي، وبناء علاقة جيدة معه من خلال بيان موقفها من القضايا العربية المتعددة، وبأنها صوته المغيب – كما تزعم- فهي تقف إلى جانبه في التعبير عن حقوقه وآماله في العيش الكريم.
هذه القنوات لا تعمل من فراغ، فكما يؤكد علماء الإعلام، لا يوجد اتصال برئ!،هذه القنوات الفضائية لديها أيديولوجيا تنطلق منها سياستها التحريرية، تسعى لفرض مضامينها الخفية على المتلقي العربي، موظفة جميع أنواع القوة الناعمة، والذكية، والحادة في تحقيق مآربها، في تعميق الفجوة بين الشعوب وحكوماتهم، وضرب اللحمة الوطنية، من خلال إثارة موضوعات اجتماعية واقتصادية ودينية محلية، لا تمس أمن واقـتصاد الدول مالكة هذه القنوات، من قريب أو بعيد؛ لذا تعمل على زيادة حدة الخلاف بين أبناء الوطن العربي، في مقابل إغلاق عدساتها، وإسكات لاقطات أصواتها عن قضايا أخرى أفسدتها دولها تمسُّ جوهر الأمن القومي العربي بكافة أبعاده!!
هذه القنوات الأجنبية يرى البعض أن هدفها الحصول على جزء من كعكة الإعلان التجاري، وهذا في تقديري غير حقيقي وخصوصًا في المرحلة المتأخرة التي نحن شهود على واقع التبعثر الإعلامي وطفرة القنوات الفضائية، وبالتالي تسرب المشاهدين وتوزعهم بين هذه القنوات، مما يصعب عملية الإنفاق الإعلاني، والتوجه لقناة واحدة أو أكثر قد لا يفي بوصول الرسالة الإعلانية إلى الشريحة المستهدفة، وما عقد المسألة أكثر ظهور الإعلان من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، الذي سحب بساط الإعلان التجاري من الوسائل التقليدية.
إذن هذه القنوات لا تعتمد في تمويلها على الإعلان التجاري، بل تعتمد على الجهات الرسمية التي تعبر عن وجهة نظرها، فقناة العالم مثلًا تمول من قبل الحرس الثوري الإيراني، فهي الناطقة باسمه، والمبررة لجرائمه وإرهابه، وقناة الحرة أنشئت لتحسين صورة أمريكا في العالم العربي بعد تدمير العراق، وإيجاد وسيلة تواصل بين أمريكا والشباب العربي، وفرانس 24، تتحدث بلغة الخطاب الفرنسي الرسمي، وDW الألمانية تُعبَّر عن سياسة ألمانيا، وروسيا اليوم تترجم السياسة الروسية، فهذه القنوات تمول من قبل وزارة الخارجية، أو الاستخبارات في تلك الدول، لذا فادعاء الموضوعية والتوازن والحياد، وأنها تعمل في إطار الدبلوماسية الشعبية والتواصل… أقول: كلها مزاعم باطلة.
قلت لصاحبي:
أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، نحن بحاجة لاختراق المنظومة الشرقية والغربية بقنوات إعلامية مهنية تُخاطب القوم بلغتهم التي يفهمونها؛ في إطار الدبلوماسية العامة.
*فكرة المقال أثارها كتاب الدكتور محمد العطيفي، المضامين الخفية للصياغة الخبرية.