قال صاحبي: نعرف أن القوة تنقسم إلى صلبة، وناعمة، وفي هذه الأيام برز مصطلح القوة الحادة، فماذا يعني هذا المفهوم، وما دلالات بروزه مؤخرًا، ومتى كان أول ظهور له، وما الفرق بينه وبين القوتين الناعمة والصلبة، وهل تتعارض هذه المفاهيم فيما بينها، أم تتكامل؟
يعدُّ مصطلح القوة الناعمة حديث نسبيًا، فقد ابتدعته مراكز الأبحاث التابعة للكونجرس الأمريكي، محددة مفهومه باستخدام دولة ديكتاتورية (يقصدون الصين) باستخدام القوة الناعمة للتحكم في سياسة الدولالأخرى، والتأثير في قراراتها السيادية، دون أن تعي تلك الدول أن قراراتها تُصنع في الصين أولًا، ثم يتم التصديق عليها من قبل حكوماتها وبرلماناتها!
هذا المفهوم -القوة الحادة– صاغته مراكز التفكير الأمريكي بدهاء ومكر، كما صاغت غيره من المفاهيم، ووجهت تفكير العالم وقادته إلى حيث تريد، هذا المصطلح مثلًا ركز على ” القائم بالفعل” (الصين وروسيا تحديدًا) ولم يركز على “الفعل ذاته!!” مثلًا يمكن اعتبار أنشطة المجلس الثقافي البريطاني قوة ناعمة مشروعة، في حين تعدُّ أنشطة معهد كونفوشيوس الصيني قوة حادة غير أخلاقية؟
ترجم الأمريكيون ببراعة على الواقع ما قاله جوبلز: “نحقق عن طريق الإعلام مالا نحققه عن طريق الحرب“، وفي ذات الوقت منفذين ما قاله وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد: (انتهت الحرب العسكرية وبدأت حرب الأفكار)، التي تسعى من خلالها واشنطن إلى الهيمنة على الثقافات والشعوب، ولم تكن لتحدث أثرها لو لم تكن هناك وسائل إعلام تنقلها للجماهير، ولغة إعلامية تروج لهذه الأيديولوجيات التي شغلت عقل العالم وفكره ولا تزال، وهو ما يؤكد على أن اللغة الإعلامية هي أداة التعبير السياسي عن الأيديولوجيا.
تعامل الساسة الأمريكيون ببراعة فائقة مع صناعة المفاهيم التي أرادوا لها أن تسود العالم، مثل تعريفهم للإرهاب والديموقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والحرية والتسامح، بالمعاني التي يقصدونها وبالطريقة التي تخدم أهدافهم، لمواجهة الصعود الصيني تحديدًا والذي لم تستطع واشنطن مجاراته، فطريق الحزام والطريق، يعده بعض خبراء الاقتصاد والسياسة، الطلقة الأولى بين الشرق والغرب؛ ولذا سعت المراكز الاستراتيجية الأمريكية المختلفة لمقابلته، بقوة الأفكار، ذات المدلولات الشيطانية، للتنفير منه، ولبيان خطورة تمدد القوة الحادة الصينية الروسية في مفاصل صنع القرار في مختلف دول العالم.
ويصعب التفريق بين القوتين الناعمة والحادة، لتشابههما في الوسائل والأهداف، ويحدد بعض المختصين تساؤلين جوهريين للتفريق بين هذين المصطلحين، هما “لماذا” “وكيف”؛ فإن كان الهدف من أجل التقريب والتواصل بين الشعوب فهي قوة ناعمة، وإن كان الهدف هو التدخل الناعم في الشؤون الداخلية لدولة ماء، لغايات عدائية، ولتشكيل اهتمامات النخب السياسية أو التأثير على القوى الفاعلة، وتوجيه عملية صنع القرار؛ فهي قوة حادة.
السيناريوهات المستقبلية تُشير إلى أن السنوات القادمة، ستكون سنوات المزج بين أنواع القوة الناعمة، والصلبة، والحادة، والذكية، باستمرار، وهذا سيزيد من تصاعد اعتماد الخمس الكبار على سياسات التغلغل في دوائر صنع القرار فيما بينها، على وجه الخصوص، وفي بقية دول العالم بشكل عام، ما يرجح احتمالات الصدام بينها؛ نتيجة التوظيف المتبادل لأنماط القوة المتعددة لتحقيق المصالح وتعزيز المكانة في النظام الدولي.
قلت لصاحبي:
هل يمكن وصف ما حدث في أفغانستان، بالقوة الحادة؟