الأسبوع الماضي كان، فتح بوابة القبول في الكلية التطبيقية بجامعة الباحة، بعد قرابة السنة من العمل الدّؤوب والجهود المتواصلة، ترافقها الكثير من الاجتماعات والإجراءات حتى تكلّل كل ذلك بفتح عدّة برامج تتسق مع أهداف الرؤية الوطنية 2030، وتصبّ في تفعيل مبادرة برنامج القدرات البشرية؛ للمساهمة في التنمية المستدامة.
لقد كان للجهود المبذولة من معالي رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور عبدالله بن يحيى الحسين أثرها في هذا التحوّل النوعي لكلية المجتمع إلى كلية “تطبيقية”، يزاملها جهود وكيل الجامعة للشؤون الأكاديمية الدكتور عبدالعزيز الغامدي، ومساعده الدكتور عماد الزهراني؛ فضلًا عن مجهودات أعضاء فريق التحوّل في الكلية.
وتأكيدًا لاستراتيجية عملية التحوّل أنّها قائمة على حاجات السوق ومتطلباته، وتعزيز الجوانب التطبيقية، بالاستنارة بالخطّة التفصيلية للكليات التطبيقية، والتصنيف السعودي الموحّد للمستويات والتخصصات التعليميّة، والتصنيف السعودي الموحّد للمهن.
إنّ جميع تلك البرامج التي تمّ الإعلان عنها -في جامعة الباحة- تُعد مرحلة أولى، ستتبعها -بمشيئة الله- برامج أخرى لا تقل جودة عمّا سبقها، وستعضّد من عطاء الكلية بالتعاون مع جميع الكليات، سواء في داخل المدينة الجامعية، أو في فروعها المتعددة.
لقد عملت وزارة التعليم ممثلة في الفريق المشكّل لعملية التحوّل، عملًا يُحسب لها خاصّة في سياق “التحول”؛ وفقًا لآليات واستراتيجيات محدّدة تنبع من سياقات اقتصادية وتنموية في المقام الأول، وتنطلق من مبدأ أنّ مهارات أبناء الوطن، وقدراتهم من أهم الموارد الفاعلة وأكثرها قيمة ونجاعة، وصولاً للاستثمار الأمثل في مجالات التعليم والتدريب؛ للدفع بجاهزية الشبيبة للعمل في المستقبل، مع مضاعفة الجهود لضمان مواءمة نتائج النظام التعليمي مع احتياجات سوق العمل.
ولا شكّ أنّ رؤية المملكة 2030 صُنعت لعوامل التطور والتطوير بوصفها سبيلاً للمقوّمات الاقتصادية والتنموية للوصول بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدّمة، وهو ما يعزّز من ريادتها؛ سعيًا للوصول إلى مستقبل زاهر وتنمية مستدامة، على اعتبار أنّ الرؤية تضمّنت العديد “من الأهداف التي تعزّز التوجه الاستراتيجي للمملكة نحو تطوير الموارد البشرية، من خلال توفير معارف نوعية في المجالات ذات الأولوية، وتحسين جاهزية الشباب للانخراط في سوق العمل، والتوسع في التدريب التطبيقي والمهني لتوفير احتياجات سوق العمل”.
إنّ الكثير ممّن اطلع على الرؤية الطموحة 2030 يدرك جيدًا، أنّ عملية التعليم التالي لمرحلة الثانوية يأتي، كأبرز مستهدفات تلك الرؤية؛ ولكن في إطار محدد يقوم على الحلول المبتكرة للمواءمة ما بين مدخلات التعليم مخرجاته.
وفي هذا السياق تشير الإحصاءات -حسب الخطة التفصيلية للكليات التطبيقية- أنّ نسبة المقبولين في أغلب التخصصات النظرية والإنسانية على المستوى الجامعي لا تتسق مع احتياجات سوق العمل، ولا تلبي أدنى متطلبات التنمية.
وبهذا تصف الخطة التفصيلية أنّ طالب المرحلة الجامعية يعيش رحلة طويلة للتخرج، في مقابل رحلة أخرى للبحث عن عمل يناسب تخصّصه، الأمر الذي أحدث شقة كبيرة ما بين تلك المرحلة وهذه الرحلة؛ يقابلها سوق محلي يشهد ارتفاعًا في عدد المتعاقدين من غير السعوديين بما يقارب 77٪ من مجموع العاملين في القطاع الخاص.
إنّ مشروع تحويل كليات المجتمع في الجامعات السعودية إلى كليات تطبيقية يُعدّ نقلة نوعية، بانسجامها مع تخصصات وبرامج تساهم في سدّ تلك الفجوة في مخرجات التعليم، الأمر الذي سيساهم في تأهيل كوادر وطنية بدرجات دبلوم مرتبطة بشهادات مهنية متوافقة مع مستهدفات التنمية.
ولذلك؛ كانت الأهداف الاستراتيجية للمشروع قائمة على رفع معدلات قبول خريجي الثانوية العامة في الكليّات التطبيقية، وربط الكليّات بشراكات استراتيجية مع القطاع الخاص، فضلًا عن الإسهام في ردم الفجوة في سوق العمل وتقليل الانكشاف المهني في التخصصات التطبيقية، وأخيرًا مواءمة مخرجات الكليّات التطبيقية مع مستهدفات التنمية.
ومن الجميل أنّ هذا المشروع سيعمل على رفع الطاقة الاستيعابية للكليات بعد اكتمال تحويلها ليصل إلى أكثر من 20٪ من خريجي الثانوية العامة في عام 2025م، وذلك عن طريق تحفيز الطلاب للالتحاق بها من خلال منحهم مكافأة مالية أسوة ببقية طلاب كليات الجامعة، وتفعيل دور الشراكات الاستراتيجية مع القطاع الخاص، وفي الوقت ذاته تمّ العمل على إنشاء وحدات مهنية للمساهمة في إعداد الأدلة والخطط؛ لتأهيل الطاقم التعليمي، وربطهم بالشهادات المهنية، وتوفير الإرشاد المهني اللازم للطلبة الراغبين في الالتحاق بالكليات التطبيقية.
وقد حُددَت البرامج المقدمة في الكليات التطبيقية -وفق الخطة التفصيلية- من خلال عدة مدخلات، أهمها: واقع سوق العمل، وواقع الباحثين عن العمل، والتصنيف السعودي للمهن، وكذلك الاعتماد على عدة مرتكزات من أهمها: رحلة تعليمية مرنة Exit-Points ))، وبرامج إعداد للغة الإنجليزية، والربط الجغرافي للبيئة المحيطة واحتياجاتها، وربط البرامج بشهادات مهنية والتدريب الميداني، ومن هذا المنطلق طُوّرَ أكثر من 70 برنامجًا نوعيًا في تسعة مجالات رئيسة.
وبالنظر إلى أن سوق العمل يعد من أهم المستفيدين من مخرجات الكليّات التطبيقية، فقد شارك هذا المشروع القطاع الخاص برسم خطط وبرامج هذه الكليّات بالاستفادة من تجربته في التدريب والتأهيل، آخذًا بالاعتبار الاختلافات ما بين مناطق المملكة من حيث احتياج سوق العمل، حيث رُكّز عند تصميم البرامج على الاحتياج وفق النطاق الجغرافي لكل كلية، إلى حيث مُكّنتْ الكليّات من الاستفادة من البرامج التي تخدم المنطقة ذاتها.
—————-
*عميد الكلية التطبيقية بجامعة الباحة