د. سونيا مالكي

كان إنسانًا في كل ذرة من كيانه (١-٣)

القائدُ المؤسس والباني العظيم

لعل أبرز ما لاحظه عشرات، بل مئات الكتّاب والمؤرخين العرب وغير العرب الذين تناولوا سيرة الملك عبد العزيز على مر أكثر من مائة عام، أن البُعد الإنساني هو أبرز ما يميز شخصية الملك عبد العزيز التي تميزت بالثراء؛ ولأهمية هذا الجانب وأثره الكبير في توطيد وترسيخ العلاقة بين القيادة والمواطن، وفي إرساء قاعدة متينة لوحدة وطنية مستدامة قائمة على المحبة والإخلاص والثقة تظل مصدر فخرنا على الدوام؛ فإننا سنتحدث باستفاضة عن هذا الجانب محاولين إيلاء ما يستحقه من عناية واهتمام .

ولعله ليس من المستغرب أن يجمع كافة الكتّاب والمؤرخين الذين كتبوا عن سيرة جلالته – يرحمه الله- على أن هذا القائد الفذ الذي جمع في أعماله وإنجازاته بين العبقرية السياسية والعبقرية العسكرية، ونجح في تحقيق وحدة الكيان والإنسان على هذه الأرض المباركة الطيبة على أسس العدل والمحبة والمساواة، وبسلاح الإيمان والعزيمة والإصرار، وذلك في فترة زمنية قياسية أبهرت العالم، إنما حقق هذا الإنجاز العظيم بعد أن وحّد القلوب، وبعد أن ألف بين أبناء شعبه، وبعد أن أزاح كل ما من شأنه أن يجهض هذا البناء من عصبيات أو حزبيات، “فلا ولاء إلا لله، ولا انتماء إلا للدين والوطن”.
لذا سنبدأ حديثنا عن أحد أبرز الملامح الإنسانية في شخصية الملك عبد العزيز، وهو حبّه لشعبه، وتفانيه في خدمته.
ولعل مصدر إعجاب ومحبة الشعب السعودي بالملك عبد العزيز وبشخصيته القيادية الفذة ليس فقط الكاريزما والهيبة واحترام، وإشادة زعماء وقادة دول العالم شرقًا وغربًا بهذه الشخصية، وبما حققه جلالته من إنجازات عظيمة، ووضع الأسس لكل ما نحن عليه الآن من أمن وتقدم ورخاء، وإنما أيضًا مساواته بين أطياف شعبه، فقد سعى منذ بداية المسيرة السعودية إلى بناء قاعدة شعبية عريضة أقامها على أسس المحبة والعدل والتآلف بين أفراد شعبه قاطبة، وكان يعتبر كل فرد من أفراد شعبه ابنًا أو أخًا له.

ويقول جلالته – يرحمه الله- بهذا الصدد : “إن الملقى على عاتقي من الأمور عظيم، وبعضكم به أبخص، وإني مع كل ذلك أسأل عن أحوال الناس وأتفقد مصالحهم بقدر الجهد والاستطاعة، ووالله أرى الكبير فيكم كأبي، والوسط كأخي، والصغير كابني”.

ويؤكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في مقدمة كتابه “ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز” أن تاريخ الملك المؤسس والباني عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود “لا يقتصر على جوانب الكفاح وإنجازات التوحيد والبناء فقط، التي هي معلومة للجميع، وإنما يتضمن جوانب كثيرة تبرز فيها شخصيته الإنسانية التي تنهل من سيرة نبينا المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-“.

ويروي خير الدين الزركلي عن أيام انحباس المطر عن رعاياه في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، إنه كان يبادر إلى ما في خزانته الخاصة وخزائن الدولة من مال “فيأمر بالإنفاق منه على إطعام القبائل المجدبة أرضها وعلى الأفران تمون بالدقيق لتوزيع الخبز على أهل المدن مجانًا”.

ويذكر الأستاذ فهد المارك (كتابه: من شيم الملك عبد العزيز- ج/1) إن الملك عبد العزيز ما أن فتح حائل – وكانت تُعاني من أزمة اقتصادية كبيرة على إثر الحصار الاقتصادي والعسكري- حتى فتح (مضيفًا) للمواطنين ذوي الفاقة، ووزع عليهم الغذاء، فتقلص غلاء المعيشة في المدينة بسبب ما تم توفيره، وهبطت أسعار الغذاء إلى أدنى حد لها بعد أن كانت قد وصلت إلى أقصى حد لها”

ويصف الصحافي المصري إبراهيم عبده (صاحب كتاب: إنسان الجزيرة الذي يعتبر أحد أشمل الكتب في وصف الملامح الإنسانية للملك عبد العزيز)، يصف هذا البُعد الذي يعتبر من أهم أسباب محبة شعبه له بقوله: “رأيت في الملك عبد العزيزأجمل ما فيه، رأيته إنسانًا بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من معاني الإنسانية التي قلما نجدها في الملوك والسلاطين”.

وإذا أضفنا إلى ذلك ما اتصف به جلالته من سجايا أخرى، مثل: البشاشة، لين الجانب، والتواضع، والعفوية وعدم التكلف، فضلًا عن كرمه وسخائه مع الرعية، وغيرها من الصفات التي انضوت جميعها في إطار البُعد الإنساني في شخصية جلالته القيادية، لوقفنا على الأسباب التي جمعت الشعب من حوله، وحول أبنائه من بعده الذين ورثوا عنه هذه الخصال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى