“الفكرة التي تزوّجت هذا الزمن، هي أرملة الزمن القادم”
تنشأ الأفكار وفق معطيات ذلك الحاضر التي تعيشه، ووفق الظروف المحيطة، ونجدها تتماشى مع روح ذلك العصر، فلا تكسب أولوية مضافة أو إضافة قيّمة، ومادامت داخل الصندوق فالصندوق يحمل الكثير، ولعل هذا جانب من عدة، وعودا على بدء، فحين “صور لنا هيغل” غربة الأفكار الحديثة على أزمانها، وغرابة القديم على الجديد أو -هذا ما ينبغي- تبادر إلى ذهني صورة الخلل المفضي إلى عتْمة، وسواد الحكم الموصل إلى ظلْمة، ولا زلنا نتنمّر على ذلك الذي “يعيش زمنه وزمن غيره”، ولكل منا زاويته في قراءة المنشور.
الفكرة التي تعيش غربة في زمن أحدث يمكن القول بأن ذلك الزمن أكثر عافية من سابقة، وتلك الغرابة هي معيار التقدم في ذلك العصر.
ولعل أكبر ما بُلي به الإنسان ليس العرب فقط لكيلا نُتهم بــ “مخدوعيّ الحضارة الغربية” هو ثبات الأفكار وتغيّر الزمن، وانتقال تلك الفكرة من زمن إلى آخر ومن زواج إلى زواج دون تغيير أو تحديث، والأصل أن يقترن بالزمان فكرة تراعي تطلّعه وتناسب تقدّمه.
سنجد الكثير ممن يُلقي اللوم في تقادم الوعي، ويحمله على الأديان، ونجد كذلك من يحمله على انعدام الرؤية الصحيحة للأديان بسبب من يمثله، وهناك من يحمل الجيل بأكمله سوء الفهم، وضعف القراءة، وموت العقل، الذي بطبيعته القارئ الكفء لتلك الأديان، وبالتالي عجزٌ بيّن في استيراد ما نحتاج وفق ما يجب، والحال لا يقتضي البت بل فتح باب السؤال لتتصدّر أنت بحكمك في ذلك المفترق، وأنت رهين حكمك.
مصطلح التجديد مثلاً ليس بالضرورة ردم للماضي، بل توجيهه على نسق يعطي للعصر حق التعاطي، ولن تعني الحداثة سفك دم القديم طلباً للنهوض.
يبدأ التجديد من تصحيح المسميات بالمقام الأول، وإعطاء الواقع سلطة في تحليل تلك المصطلحات التي درجت دون علم، وعُلمت دون بحث، فغزا الثابت كل شيء، وبات المسلّم عنوان كل نقاش.
“العقل يجمع الناس والفكر يفرقهم” وهنا ينتج العقل بذلك المتفرق تعددية التصور، وبالتالي تعددية الحكم، لنصل إلى طريقيّ القبول أو الايمان، فما لم تؤمن به فأنت تقبله، وبهذا فقط نخلق سماء تستقي الأفكار، وأرض خصبة تتبارى فيها العقول لتنبت بالوعي ألف فكرة، وحينها لن نضطر إلى استجرار فكرٍ قديم وقديمٍ آفل.
ختاماً …….لن يحتاج حاضرنا أرامل الماضي مادام فيه ما يملأه.
0