الجريمة ظاهرة اجتماعية عالمية لا يكاد يخلو منها أي مجتمع إنساني، وهي تتنوع من حيث النمط والأهداف وأساليب التنفيذ، ويعدُّ الإجرام الأسري أحد تلك الأنماط الحديثة التي تحدث داخل النطاق الأسري الواحد؛ حيث تعدُّ من أبشع الجرائم التي يعتصر منها القلب ألمًا، وتجف الدموع من العيون وتتحجر، لا سيما وأن هذه الحوادث الإجرامية في وقتنا الحاضر باتت تقرع أجراس الإنذار، وتدق ناقوس الخطر الذي يحدق بالمجتمعات كافة على وجه العموم.
ومع أنه لا يكاد يختلف اثنان على أن العقوق يعدُّ كبيرة من الكبائر التي يُجرّمها الدين والقانون والأخلاق، ولا يقبلها العقل ولا الإنسانية إلا أن أبلغ مآسي العقوق تلك التي تسفر عن قتل الأبناء لآبائهم وأمهاتهم في مشاهد مأساوية اكتوت بنيرانها العديد من الأسر في عصرنا الحاضر، فلم نكن نتصوّر في يوم من الأيام أن نسمع عن ابن يقتل أباه أو أمه أو كليهما إلا أن هذه الجريمة النكراء باتت في زمننا هذا واقعًا مريرًا قضى على سعادة العديد من الأسر حينما قست قلوب الأبناء على الآباء في أحداث درامية محزنة لم نعهدها إلا في الروايات أو القصص الخيالية.
وقد شهد مجتمعنا في الآونة الأخيرة جرائم تقشعر لها الأبدان، ويشيب لها الولدان، جرائم عقوق ذهب ضحيتها آباء وأمهات على يدي فلذات أكبادهم بعد أن أفنوا شبابهم، وحرموا أنفسهم من كل شيء من أجلهم، ثم كان مصيرهم التعذيب والقتل لأسباب غير مقنعة وحجج واهية جعلت من هؤلاء الأبناء العاقين شياطين على هيئة بشر تجردوا من كل معاني الرحمة وتناسوا أن آباءهم وأمهاتهم بذلوا لهم الغالي والرخيص وسهروا الليالي، وتحمَّلوا مصاعب الحياة ومتاعبها من أجل توفير لقمة العيش لهم فقابلوا الإحسان بالإساءة والجحود والنكران !
وإذا ما وضعنا هذه الجرائم تحت المجهر لنعرف كيف ولماذا انتشرت في مجتمعنا بصورة خاصة؟! فإننا حتمًا سندرك أن ضعف الوازع الديني لدى الأبناء، وإهمال تربية الأسر لهم يعدان من أهم الأسباب لظهور مثل هذه الحالات الشاذة؛ بالإضافة إلى ما يتعرض له الشباب والمراهقون من أزمات اقتصادية وأمراض نفسية حادة توصلهم لمرحلة من الكراهية لوالديهم فتدفع بهم إلى قتلهم في أبشع صورة وحشية، إلى جانب الانتشار الواسع لتعاطي المخدرات التي جعلت العديد من الشباب المتعاطين لها أكثر عنفًا أبشع إسرافًا في القتل؛ حتى أصبحنا نخشى أن تتحوَّل هذه الحوادث الفردية إلى ظاهرة مؤلمة تعصف بالمجتمع بأسره.
وختام القول فإنه لا بد لنا جميعًا إدراك فداحة هذا العمل الإجرامي؛ خاصة وأن هذه الحالات الشاذة بدأت تمثل قلقًا للمجتمع الذي كان وما زال أهم خصائصه الترابط الأسري، والألفة والمحبة بين كل أفراده، وخاصة إذا ما علمنا أن شباب اليوم لم يعودوا منعزلين عن ثقافات وممارسات شباب العالم فوسائل التواصل المختلفة جعلت من العالم قرية صغيرة، وبات التقليد الأعمى أحد سمات هذا العصر، ومن هذا المنطلق؛ فإنه يجب على الوالدين الحرص على التربية السليمة، والتعرَّف على أصدقاء الأبناء، وتعهدهم من الصغر وتنشئتهم على طاعة الله -عز وجل-، كما يجب على الجهات المختصة بالشباب، وكراسي الأبحاث في الجامعات العمل على تكثيف الدراسات حول هذه الجرائم، وإيجاد الحلول المناسبة لها؛ وذلك لعلاج هذه الظواهر الدخيلة على مجتمعنا الإسلامي، والقضاء عليها.
وخزة قلم
لتجنب مثل هذه الجرائم الوحشية يجب نشر ثقافة العلاج النفسي، وإيجاد الحلول الجذرية للمشكلات الأسرية بطريقة عقلانية.