د. خالد محمد باطرفي

تحديات التعليم “عن قُرب”

سعدنا كثيرًا كمعلمين وأسر وطلاب بعودة التعليم الحضوري للمراحل ما بعد الابتدائية، بعد مُعاناة مع استحقاقات التجربة الجديدة لعامين دراسيين، واضطرار كثير من الآباء والأمهات لتولي مهمة الإشراف والمتابعة خلال أوقات الدوام، وصعوبة توفير التجهيزات الفنية اللازمة لغير المقتدرين أو المستوعبين للتقنية، ولعلَّ أكثر ما خسرناه، فرصة التواصل الاجتماعي الطبيعي داخل المدرسة، مع الطلاب والأساتذة.

تأخر القرارات
إلا أن الفرحة شابهها ملاحظات عديدة، من أبرزها تأخر الإعلان عن القرار النهائي بشأن العودة إلى ما قبل بدء الدراسة بأسابيع وإعلان التنظيمات قبلها بأيام وساعات، مما أربك حسابات الأسر والطلاب، وإدارات التعليم المعنية بتجهيز المدارس، وتوفير المناهج، ووضع الأنظمة، والإجراءات الصحية اللازمة.

وبالنتيجة، صدرت قرارات غير مدروسة، مثل: السماح بالجوالات للتعرَّف على حالة التحصين، ثم مُنعت بسبب سوء استخدامها، واستبدل ذلك بطباعة الحالة من “توكلنا”، أو إرسالها عبر الإنترنت، وعندما فشل الحل في بعض الحالات والمدارس، خاصة غير المجهزة والنائية، عُدنا للجوالات، ولكن بدون دخولها.

أبعاد: أين القدوة؟
مشكلة الوقت واجهتنا في إعداد الفصول، وتنظيم فترة الفسحة، وتعقيم المدارس، ونظافتها بعد غياب عامين، وهكذا عاد أبناؤنا وبناتنا إلى كثير من المدارس المغبرة والفصول غير المنظمة والمكيفات وبرادات المياه المعطلة في عزِّ الحر، واضطرت إدارات المدارس للاجتهاد بشكل فردي في شأن تنظيم الفسحة والمقاصف وصالات الطعام، وتوفير المياه والمشروبات الباردة. مشاكل أخرى واكبت عملية النقل المدرسي، ومنها صيانة السيارات وتعقيمها، وإصلاح المكيفات، وتنظيم عملية الجلوس.

تقول طالبة المتوسطة “أبعاد”: إن نظرتنا لمعلماتنا تأثَّرت مع أول أيام العودة. فقد كنا نتوقع القدوة والمثال الذي نحتذيه في حياتنا من أمهاتنا المربيات في المدرسة، فإذا بنا نواجه هذا التخبط الإداري والتنظيمي، واللامبالاة بأساسيات هامة يفترض أن نتعلمها منهن، كالحرص على النظافة والنظام والانضباط. كما فوجئنا بأن ما يطبق علينا لا يطبقنه على أنفسهن. فكيف نُحرم من الطعام والماء البارد والتكييف والفصول النظيفة المعقمة، ويحصلن هن على كل ذلك وأكثر؟
وتضيف أم أبعاد: معاناتي كأم عاملة تتضاعف عندما تواجه ابنتي مشكلة في المدرسة، ولا أستطيع الخروج من الدوام لحلها. فقد يمنع دخولها؛ لأن الورقة المطبوعة لـ”توكلنا” غير محدثة، حسب التعليمات الجديدة التي صدرت البارحة، ولم تبلغنا بها المدرسة. علمًا بأن غرف الانتظار الخارجية غير مكيفة، ولا تتوافر فيها المياه الباردة.

خسائر التعليم الأهلي
أما أصعب التحديات فكانت من نصيب المدارس الأهلية والدولية. فخلال العامين الماضيين، انتقل معظم طلاب المدارس الخاصة السعوديين إلى المدارس الحكومية. فطالما كانت الدراسة عن بُعد فما الداعي لدفع رسوم دراسية في الظروف الاقتصادية الراهنة. أما الطلاب غير السعوديين، فقد تعثّر الكثير منهم في السداد. اضطرت المدارس إلى تخفيض الرسوم، رغم بقاء أجور المدرسين والعاملين والإيجارات على حالها.

وتضاعفت خسائر المستثمرين في التعليم الأهلي مطلع العام الحالي نتيجة لتأخر إعلان القرارات بشأن العودة وتنظيماتها، واستمرار نظام التعليم عن بُعد كليًا أو جزئيًا. وحسب تقرير نشرته صحيفة “عكاظ” الإثنين الماضي، كشف عضو اللجنة الوطنية للتعليم بمجلس الغرف السعودية عن انسحاب 300 ألف طالب وطالبة من مدارس قطاع التعليم الأهلي والأجنبي بعد إعلان وزارة التعليم عن استمرار تطبيق الدراسة للمرحلة الابتدائية عن بُعد، والحضور المتزامن للمرحلتين المتوسطة والثانوية.

حلول سريعة
ومع تقديرنا للظروف التي دفعت صانع القرار إلى التأخر في اتخاذها في ظل عدم اتضاح الحالة الصحية العامة، ومدى ملاءمتها لعودة الدراسة الحضورية حتى الأسابيع الأخيرة، وتثمينًا لحرص الوزارات المعنية على صحة أبنائنا والمجتمع في ظل استمرار الجائحة، يبقى من حق أبنائنا ومستثمرينا أن نبحث لهم عن حلول سريعة لمواجهة الاضطراب الحاصل، وتحسين بيئة التعليم، وحماية الاستثمارات الوطنية في مجال التعليم الخاص، بتوفير الدعم المادي المباشر، والأمل أن نستفيد من دروس التجربة بالعمل على تطويرها، وحل إشكالياتها، وتفادى إخفاقاتها مستقبلًا.

د. خالد محمد باطرفي

دكتوراه في الصحافة والعلوم السياسية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. معكم حق
    لكن اعتقد انه من المفترض الاستعداد المسبق بوضع جميع الاحتمالات وبالأخص ان الوزارة ابلغت قبل فتره كافيه للاستعداد بأن التعليم حضوري..وبالاخص لتقسيم الفصول والنظافة والتعقيم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى