لاحظ كتّاب سيرة الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه- وكل من تعامل معه من قادة وزعماء وساسة وصحفيين ورحالة وكتّاب وأدباء ومؤرخين وزوّار أن صفة الإنسانية في شخصية الملك عبد العزيز تجمع تحت مظلتها العديد من الصفات الأخرى التي تدور في فلكها، مثل: محبته لشعبه، وبره بوالديه، وتعامله الطيب مع زوجاته، ومع شقيقته (نورة)، والعفو عند المقدرة، والكرم، والعدل، والصدق، وسعة الصدر، والثقة في الخصوم بعد تحويلهم إلى أصدقاء وحلفاء، وخلو شخصيته من مشاعر الانتقام والكراهية والحقد.
ومن الصعوبة بمكان استعراض كل ما قيل من الأمثلة والحكايات التي تدور حول هذه الصفات والخصال في الشخصية القيادية لصانع التجربة السعودية التي أبهرت العالم، وضربت المثل الأعلى في النسيج الوطني المتين الذي ظل يُشكل الإطار العام للوحدة الوطنية في هذا الوطن الأمين، التي تُعتبر علاقة المحبة المستدامة بين القيادة والشعب سمتها البارزة وخصيصتها المميزة.
ولابد وأن يُلاحظ البعض أن بعض هذه الصفات – كالكرم- تعتبر جينات توارثها الملك عبد العزيز عن والديه، وتوارثها عنه أبنائه من بعده، ويذكر د. إبراهيم عبده حول هذه الصفة: “إن عبد العزيز وارث عظيم لأجمل ما في البشرية من خلائق، إنه ورث عن أبويه خليقة الكرم، وهي فضيلة فيه بقيت تلازمه وقت الرخاء، ووقت الشدة على السواء” (ص36).
ولعل من أجمل القصص التي تتحدث عن إنسانية الملك عبد العزيز، في مجال العفو عند المقدرة – الذي يعتبر المعنى العكسي للانتقام- وقدرته العجيبة على تحويل الخصوم إلى أصدقاء- ما بدر منه بعد انتصاره على آل رشيد واستسلام حائل له بعد الحصار، فقد كان في وسعه الانتقام لآبائه وأجداده، لكنه “كان أكبر من الانتقام وأعظم من الصغار… سقطت حائل وأهلها جياع فليأتِ لهم بالحنطة والسمن والعسل، وكل ما تشتهيه الأمعاء من طعام… لم يعلق لهم المشانق، أو يأمر بإطاحة رقابهم، بل دعاهم في جمع من أهل العلم والرأي وقال: “اعلموا يا أهل الرشيد إنكم عندي مثل أولادي وأنتم في الرياض، تعيشون كما أعيش أنا وأولادي، لا أزين ولا أشين، ثيابكم مثل ثيابنا، وأكلكم مثل أكلنا، وخيلكم مثل خيلنا وأزين. وليس في القصر أو في البلاد تحت يدي ما تبغونه ولا يجيئكم”. د. عبده، ص68-69.
وتحدَّث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في إحدى المناسبات، -عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض وأثناء افتتاحه لمعرض خاص بحياة الملك عبد العزيز -رحمه الله- أعدته دارة الملك عبد العزيز بالتعاون مع جامعة أم القرى- قائلًا: “إن الملك عبد العزيز تعامل مع من عارضه أو حاربه من أجل إقامة هذه الدولة، تعاملًا إنسانيًا وكريمًا، حتى قيل إنه ما من شخص عاداه وبقي حيا يرزق، إلا عاد إليه طوعًا بسبب حسن تعامله وصدقه مع الناس، وإنسانيته، وتجسَّدت قمة هذا التعامل الإنساني لديه في منهجه -رحمه الله- بوضع الثقة في أولئك الرجال الذين كانوا خصومه ثم أصبحوا معه؛ حيث أسند إليهم المناصب القيادية في مجالات الإدارة والتعليم والجيش والمال والتشريفات وغيرها”. وأضاف الملك سلمان -رعاه الله-: “يقول خير الدين الزركلي -رحمه الله -في كتابه (شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز) إن عبد العزيز ابتسم مرة في مجلسه، وفي ضيافته الشيخ نوري الشعلان -رحمه الله-، شيخ قبائل الرولة العنزية، ففسر عبد العزيز ابتسامته للضيف قائلًا: هل ترى هؤلاء الجالسين حولك يا أخ نوري؟! ما منهم أحد إلا حاربته وعاداني وواجهته فرد الشيخ نوري قائلا: سيفك طويل، يا طويل العمر … فأوضح عبد العزيز أن السبب لم يكن السيف فقط، قائلًا: إنما أحللتهم المكانة التي لهم أيام سلطانهم .. إنهم بين آل سعود كآل سعود”. – “الشرق الأوسط”، صدق النوايا حول العدو إلى صديق، 23/09/2015 .
0