انتهت الاحتفالات بيومنا الوطني؛ فهدأت الشوارع والطرقات، وعاد الناس إلى منازلهم بعد أن غمرتهم خلال الأيام الماضية مشاعر الفرحة والفخر والاعتزاز، وهم يسترجعون الذكرى السنوية؛ لتوحيد هذا الكيان الشامخ على يد المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- وتلك الحقبة الزمنية التي تعاقب فيها من بعده أبناؤه البررة في حكم هذه البلاد الطاهرة؛ حتى وصولنا لعهد سلمان الحزم والعزم، وما تشهده بلادنا في عهده من رقي وازدهار في كافة الأصعدة، وفي شتى المجالات.
إلا أنه أيضًا بقي في الأذهان تلك الصورة السلبية التي ألقت بظلالها على مشاعرنا، وما نتج عنها من مخالفات شرعية صريحة، وتجرد وتفسخ من العادات والهوية الوطنية التي ورثناها عن الآباء والأجداد، والتي تفردنا بها عن غيرنا من الدول والشعوب. فاختلطت المشاعر وباتت قلوبنا تعتصر ألمًا لتلك المناظر المؤسفة التي شاهدناها بأم أعيننا وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
وقد كان ذلك واضحًا جليًّا من خلال ما أظهرته لنا مقاطع السوشال ميديا من تجاوزات ومنغصات من بعض الشباب الطائشين والمتهورين، من الجنسين في معظم مدننا ومحافظاتنا والتي أساءت للمظهر الحضاري للشعب السعودي؛ حيث استغلوا هذه المناسبة الوطنية ليمارسوا من خلالها أسوأ التصرفات والسلوكيات غير المتحضرة واللا أخلاقية وخاصة مقاطع التحرّش والمشاجرات بينهم، وكذلك قيام بعض الشباب من كلا الجنسين بارتداء ملابس غير محتشمة والرقص بطريقة غير لائقة والتلفظ بعبارات تخدش الحياء، وقيام العديد منهم بتحدي رجال الأمن البواسل وتعريض حياتهم وحياة الآخرين للخطر وذلك بصعودهم على أسطح السيارات ونوافذها، والتي لم يُكتفَ بالصغيرة منها بل وحتى الشاحنات الكبيرة في مناظر ربما جعلتنا عُرضة للسخرية والتهكم والاستهزاء من قبل الآخرين، وفي وضع أقل ما يُقال عنه إنه وصمة عار على جبين كل من قام بهذه التصرفات الدخيلة على مجتمعنا الإسلامي المحافظ.
ومن هذا المنطلق فإنه يجب أن نتصارح فيما بيننا قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، ويحدث ما لا تحمد عقباه، ونلقي الضوء على تلك الممارسات الخاطئة التي حدثت خلال هذه المناسبة؛ حيث شوّهت فرحتنا ولربما جعلت منا أنموذجًا سيئًا ومادة إعلامية دسمة للنقاش حول الطاولات المستديرة في القنوات العربية والعالمية، متناسين بهذه التصرفات الشيطانية أن بلادنا بلد الإسلام والسلام، ومهبط القرآن ومهوى أفئدة عباد الرحمن، ومن الأهمية استشعارنا لتلك المكانة التي خصنا الله وشرفنا بها، وأن تكون كل مظاهر احتفالاتنا نابعة من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي حث على الوسطية، ونبذ قيم وعادات الجاهلية التي وللأسف شاهدنا بعضًا منها في تجاوزات لا تخدم مطلقًا المفهوم الحقيقي للوطنية، ولا تُمثل عادات وتقاليد المجتمع السعودي العريق.
لذلك فإنه يجب على الجهات المعنية القيام بدراسات مستفيضة لكل ما هو دخيل على مجتمعنا من السلوكيات المنحرفة والتعامل معها بعقلانية وإيجابية من أجل القضاء عليها وتجنّب تكرارها مستقبلًا فهناك أفعال وسلوكيات خاطئة تحتم علينا قيادة وشعبًا تصحيحها، وإدراك أبعادها وخطورتها، فالاستمرار فيها وجهل العواقب المترتبة عليها سيخلق جيلًا هشًا فاقدًا للهوية الوطنية والدينية.
كما يجب على تلك الجهات وضع خطط عمل متكاملة تحت إشراف لجان معنية بإدارة شؤون الاحتفالات الوطنية في جميع مدن ومحافظات المملكة، ودراسة إمكانية تخصيص أماكن ثابتة؛ لإقامة تلك الاحتفالات السنوية كالملاعب الرياضية على سبيل المثال والميادين العامة المخصصة لمثل هذه المناسبات واستغلال مقرات الدوائر الحكومية؛ لتنفيذ برامج وأنشطة تعزز الولاء والانتماء لهذا الوطن المعطاء، مع مراعاة موافقة تلك الاحتفالات للضوابط الشرعية والقيم والأخلاق الأصيلة التي تأسست عليها أول لبنات هذا الكيان الشامخ منذ توحيده على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي أرسى دعائمه على الكتاب والسنة.
وكذلك إقامة نشاطات ومسابقات تكون مرتبطة بتنمية الحس الوطني، وبناء مفاهيم الولاء والانتماء في نفوس المواطنين، بدلًا من تلك النشاطات الترفيهية الفارغة شكلًا ومضمونًا؛ وخاصة تلك التي تُقام في الأسواق وعلى جنبات الطرقات وفي المجمعات التجارية والمولات، والتي لا تعكس صورة الوحدة الوطنية والمكانة الإسلامية والتاريخية لمملكتنا الأبية بل ربما كانت مرتعًا خصبًا لمثل تلك الانحرافات والمخالفات السلوكية.
وختام القول…فإننا جميعًا أصبحنا مسؤولين عن تعزيز ثقافة الاحتفال باليوم الوطني وفهم واستيعاب دلالاتها، وغرسها في عقول وقلوب الأجيال القادمة، حتى لا يتحول يومنا الوطني إلى يوم للتجاوزات الأخلاقية التي تنتقص من شأنه، أو تتحول أفراحنا فيه إلى مآسٍ وكوارث لا قدر الله بسبب طيش وجهل واستهتار بعض الأشخاص الذين لا نعرف دوافعهم ولا حتى هويتهم الشخصية أو انتماءاتهم الوطنية؛ فقد بات الكثير منا يخاف من الخروج بأسرته في مثل هذه الأيام حتى لو كان ذلك الخروج خروجًا اضطراريًا؛ نظرًا لما يحدث في الطرقات من مضايقات صبيانية لا تمت للوطنية أو لحب الوطن بأية صلات.
وخزة قلم:
الوطنية الحقيقية فكر وعطاء، لا سلوكيات خادشة للحياء فسجَّل اسمك مع العظماء والشرفاء لا مع الجهلة والأشقياء.