المقالات

يوم وطني.. وأكثر

“خبز الوطن خير من كعك الغربة”

ربما لا نتفق مع فولتير في كل ما يقوله لكن حتماً سنجمع على هذه المقولة والتي أثبتت صحتها فلسفياً وتمادت في الصواب حد الحق تشريعاٍ وتديناً.

التجارب كفيلة بصنع تلك المفاهيم التي نعرفها ولا ندرك حقيقتها، والذي ارتحل في الأرض أدرك حقيقة تلك المقولة في أول دقيقة حطت بها قدمه أرض وطنه عائداً.

حين تكون خارج وطنك تتوجس مما لا يُتوجس منه، وتعيش الوحشة وقد كنت لا تعرفها الا اسماً قبل هذا، بصرف النظر عن درجة الأمان في تلك البلدان المستضيفة إلا أن وحشة المكان رغم جماله قد تكون حاضرة، وهذا ببساطة لأنك لست في وطنك.

نعود إلى الساخر فولتير ولكن هذا المرة بنظرة جادة وتصنيف جديد، يراه معتمدا فيه على الأرض والمنبع وقيمة الوطن في تحرير المصطلحات وتكون المفاهيم تجاه كل ما أحاط.

كعكة الغربة فقدت قيمتها حين لم ترتبط بالوطن، والخبز الذي يأخذ منزلة أقل قد ساواها، بل وتعدى حضوراً حين كان في أرض صبغتك بلونها، وبلد أنجبتك بقيمها و ثقافتها وطبيعتها، فكنت بعض منها حين كانت جزء منك.

كل منا وليد أرضه ولوحة فنية شكّلها وطنه، فأصبح صبغته ودليله، فتكوّن ارتباط جبلّي في نشأتنا وأصبح الغريب أن ترى قطيعة أحد مع وطنه، إذ لا يعقل انقسام الذات إلى ذوات، وانعزال الشي عن نفسه، وكما يقول محمود درويش حين سأل نفسه عن الوطن “ليس سؤالا تجيب عليه وتمضي.. إنه حياتك وقضيتك معا“.

نعم هو حياتي وقضيتي، وكل ما عداه يقبل التسويف، وليس هذا فضل كرمٍ يستحق الشكر، بل واجب استحقَ الذكر، وحق يستوجبُ الصبر.

علمتنا الحياة أن الوطن نعمة تستوجب الدعاء، كما علمتنا الحياة أن الذي يستهين في وطنه يموت ذلاً على أبواب الجحيم، ولنا في التاريخ حياة.

هناك من يحتفل بعيده الوطني أو يوم استقلاله انتماءً وذلك حق له، أما نحن، فنحتفل انتماءً وحباً وشموخاً، وفرحاً بما حققناه ونحققه، ولستُ هنا بصدد سرد الأرقام، ونثر المنجزات، وتدوين الأمجاد، فكل ما حولك شاهد في هذا ودليل عليه، وأي جانب هو لسان يتكلم بذاته، ونصٌ يخطب عن نفسه، فمنجز الاقتصاد يحكي، وفي عالم السياسة الكثير، وليست الصحة والتعليم …. الخ ببعيد، وجميعها معالم تبعث الفخر وتجعل للوطن حباً فوق الحب.

ولهذا كان الاحتفال احتفالين، أحدها بالحب، والأخر بالمنجز، ولو فتشت قليلاً في هذا العالم قد تعجز عن تعديد الأمثلة، وطرح الأشباه.

لذلك هو يوم وطني وأكثر.

ختاماً ….  “وطني اُحِبُكَ لا بديل**** أتريدُ من قولي دليل

رياض بن عبدالله الحريري

كاتب وصانع محتوى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى