تزامنًا مع الاحتفاء باليوم الوطني 91 لمملكتنا الحبيبة أعددتُ محاضرة بعنوان “المواطنة في التمريض”، وبمجرد الإعلان عن المحاضرة انهالت عليّ تعليقات من بعض الصديقات المقربات بتساؤل “وهل هناك فرق بين المواطنة في التمريض عن غيرها؟؟” وحقيقي كان ردي أنه ليس بالضروري أن يكون هناك اختلاف؛ حيث في ظني من المهم تقديم جرعات كبيرة ودائمة ومستمرة للتأكد من إشباع وديمومة مفهوم المواطنة؛ خاصة للفئات والمهن الفاعلة والمؤثرة مثل: مهنة التمريض.
إن مفهوم المواطنة مشتق من كلمة الوطن, وهو علاقة متبادلة بين الأفراد والدولة التي ينتمون أو يقيمون فيها، ويقدمون لها الولاء والواجبات؛ ليحصلوا على مجموعة من الحقوق المختلفة سواء كانت مدنية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، وهناك خلط كبير بين مفهوم الوطنية والمواطنة؛ حيث إن الوطنية هي حب الوطن وبلا شك أن حب الوطن مجبول عليه الفرد وهو فطرة فطرنا الله عليها, أما المواطنة فهي السلوك الذي ينتهجه الفرد حيال الوطن وشتان شتان بين هذا وذاك على الرغم أن العلاقة وطيدة بينهما؛ حيث يمكن أن تكون هناك وطنية ولكن قد لا نجد المواطنة من البعض، ونعني هنا بالمواطنة الصالحة. إن المواطنة شرف وسلوك دائم تجاه الوطن يكتسبه الأفراد من خلال التربية والتعلم والممارسة.
ومن هنا كان من الضروري تسليط الضوء على المواطنة في التمريض وأهميتها؛ وذلك لمبررات أهمها أن مهنة التمريض من المهن المؤثرة على الصعيد المحلي والدولي؛ حيث إن الكادر التمريضي يُشكل 60% من المنظومة الصحية, كذلك مهنة التمريض تعدُّ من مستهدفات رؤية المملكة 2030 المتضمنة الزيادة في جاذبية مهنة التمريض؛ لنتمكن من تجويد الممارسات التمريضية، والتي تصب في تحسين المنظومة الصحية.
السؤال كيف أطبق مفهوم المواطنة في التمريض؟ ويعتمد الإجابة على هذا السؤال على تصنيفات الفئات. فمثلًا الفرد الممرض والممرضة الطلبة على مقاعد الدراسة فمواطنتهم من خلال حرصهم على التعليم والتعلم في التمريض والاجتهاد في تلمس طريق العلم والتدريب؛ لتجويد مخرجاتهم لضمان سلامة المرضى، وبالتالي تميزهم ومنافستهم في سوق العمل. أما عن الفرد الممرض والممرضة العاملين في الميدان فمواطنتهم تنعكس من خلال إخلاصهم ومثابرتهم وصبرهم على العمل، وبذل العطاء لذلك، وحقيقة وبدون مزايدة أثبت التمريض الميداني في المستشفيات والمراكز الصحية أنه نموذج رائع لتطبيق المواطنة الصالحة. فكم شهدنا على مواطنتهم في كل حدب وصوب؛ حيث كان لهم بعد فضل الله ثم توجيهات القيادة الحكيمة في إنجاح دور المملكة في التصدي لجائحة “كورونا” على مستوى العالم بكل فخر واقتدار.
ونأتي على الممرض والممرضة المعلم للمهنة؛ حيث إن المعلم يلعب دورًا هامًا في بلورة فكر الطلبة فكريًّا ومنهجيًّا، وتكمن مواطنتهم في بذل العطاء لتقديم العلم التمريضي بطرق فاعلة ومجودة ومطورة، وبث روح المهنة وتعزيزها لدى الطلبة لضمان تخريج نشء ذي كفاءة نفخر ونتباهى بها.
لا تقف مواطنة الممرض والممرضة هنا بل لابد أن تمتد إلى الحرص في السعي لتطوير ذاتهم من خلال التعلم والانخراط في البحث العلمي الحصيف، والذي ينعكس على تحسين ممارسات المهنة، وكذلك مواطنتهم تبرز في انتسابهم وانخراطهم في منافذ العمل التطوعي؛ خاصة في جمعيات التمريض المحلية والعالمية، والتي قلما نرى فيها هذه المواطنة للتمريض مقارنة مع الدول المتقدمة.
أما الأسرة والمجتمع فمواطنتهم في التمريض تصب في دعمهم لهذه المهنة ولمنسوبيها، وتشجيع أبنائهم للالتحاق بها، وتشمل المواطنة في التمريض كذلك كل قيادي وصاحب قرار فتكون مواطنتهم من خلال الدعم والاحتواء والتشجيع لمقدمي المهنة والإشادة بهم والعمل كذلك لتطويع الأنظمة واللوائح التي تصب في صالح المهنة وتطويرها، والحمدلله تلمسنا بوضوح معاني للمواطنة في التمريض وللتمريض من القياديين وأصحاب القرار من خلال بعض الأنظمة التي سنَّت، ومنها فتح الابتعاث للتمريض مما كان له كبير الأثر على تعزيز المواطنة في التمريض.
بالنهاية نلخص أن التمريض أثبت أن لديه الكثير من المواطنة من خلال المسؤولية التي قدمها، ومازال يقدمها وللمحافظة على هذا المكتسب من المهم العمل على تعزيز مفهوم المواطنة في التمريض كل من خلال مركزه ومكانه لضمان الوصول لمستهدفات النجاح بعونه تعالى.
——————————-
عميدة كلية التمريض بجامعة الملك عبدالعزيز
أجدت وأفدت د. أحلام
بالفعل التعبوية العلمية وإتقان مهارات وآليات العمل شغفاً بالمهنة التي يزمع ممارستها تعد مواطنة لأن ذلك سيثمر عملا مجودا مخلصا يخدم من خلاله وطنه ومجتمعه، وهذا بلا شك سيسهم في تقدم الوطن ونمائه بسواعد أبنائه وسيتحقق من خلال ذلك اكتفاءً لا انكفاءً يجعله نموذجا مشرفا للوفاء والولاء والانتماء.