الثقة عبارة عن علاقة تربط بين طرفين؛ بحيث لا يشك أحدهما بنوايا وأخلاق وكفاءة الطرف الآخر، وقد اهتم علم النفس بموضوع الثقة؛ حيث عرفها على أنها مدى تصديق الشخص وإيمانه بالشخص الآخر، وحتى في حال تم حدوث فشل في الثقة بين الأشخاص بناء على عدم القدرة فيجب ألا يزعزع ذلك الثقة، بعكس ما قد يتم من فشل الثقة بسبب قلة الأمانة أو عدم المصداقية، والثقة ليست بالشيء المادي الذي يمكن قياسه بل هي تُقاس مع الوقت، ومن خلال مرور عدد من المواقف والتصرفات والأحداث.
وعند الحديث عن بيئة العمل الإداري تأتي الثقة كأحد الأعمدة الرئيسة التي يرتكز عليها الكيان المؤسسي، فعندما تسود الثقة بين الرئيس والمرؤوسين وبين المرؤوسين وبعضهم البعض تصبح المؤسسة وبوحداتها المختلفة أكثر ترابطًا وانسجامًا، كما تصبح الثقة عاملًا حاسمًا في تحقيق الأهداف بفاعلية وكفاءة عالية، ويأتي ذلك كنتيجة طبيعية فحينما تسود الثقة في بيئة العمل؛ فإن الأفراد يستطيعون التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، ويرتفع مستوى التعاون والتنسيق فيما بينهم وبالشكل الذي تزداد معه فرص التطور والنمو، وفي المقابل فإن المؤسسات التي تفتقر إلى وجود عنصر الثقة يسود فيها العمل الفردي، ويتدنى مستوى التعاون والتفاعل بين منسوبيها كما يسود الصراع التنظيمي بين أفرادها وبين وحداتها التنظيمية، بل والأمر الأكثر خطورة عندما يؤدي انهيار الثقة إلى تسرب أعداد كبيرة من الكفاءات إلى خارج أسوار المؤسسة فتتهاوى تدريجيًّا أركان تلك المؤسسة، والمؤلم أن يتم ذلك على مرأى ومسمع من إدارة المؤسسة، والتي بدلًا من أن تطفئ فتيل الصراع وتغرس بذور الثقة تجدها على العكس تعمل على اقتلاع ما تبقى من جذور الثقة بينها وبين منسوبيها.
ومن أهم مؤشرات نزع الثقة في بيئة العمل ما يلي:
• التفرد بعملية صناعة القرار وعدم أخذ رأي الموظفين في غالب القرارات؛ وخاصة تلك التي تخص مصالحهم أو تدخل ضمن دائرة مهامهم وطبيعة اختصاصهم المهني.
• عدم تفويض صلاحيات كافية للمرؤوسين للقيام بأعمالهم بالشكل المطلوب دون تأخير يؤثر على تحقيق الأهداف.
• استقطاب أشخاص أقل كفاءة من خارج المؤسسة؛ لتولي مهام إدارية وفنية رغم وجود أشخاص داخل المؤسسة أكثر كفاءة وقدرة على القيام بتلك المهام، بل ووضع هؤلاء الأشخاص القادمين من خارج المؤسسة في موقع المشرف المباشر والآمر الناهي على أصحاب الخبرات من أبناء المؤسسة، وربما بعقود تتضمن مزايا مالية ومعنوية أكبر بكثير مما يتقاضاه الخبراء من أبناء المؤسسة، ولكن كما يُقال: (زامر الحي لا يطرب)، ولكن ربما تعتمد سياسة التعاقد لدى تلك الإدارة على مبدأ (يا بخت من نفّع واستنفع) أو (اللي ما فيه خير لأهله ما فيه خير للناس).
• عدم الاهتمام بمشكلات العاملين وعدم الاكتراث باحتياجاتهم من حوافز وترقيات ومطالب أخرى، والتركيز على جوانب أخرى ربما تكون أقل أهمية.
• عدم قناعة الموظفين بالهيكلة التنظيمية والممارسات الإدارية في المؤسسة، وغموض السياسات الإدارية، وعدم ثباتها النسبي، يزعزع الثقة ويبعث الخوف في نفوس الموظفين، ويعكس مستوى عدم الرضا عن الحوافز وتوفر فرص التدريب والتطوير، والتدرج في السلم الوظيفي.
• تقويم الموظفين وفقًا لمعايير غير واضحة وتفتقر إلى العدالة؛ حيث تسهم تلك الممارسات في تدني مستوى الثقة التنظيمية لدى الأفراد.
• النقد اللاذع للموظفين والتركيز الدائم على نقاط ضعفهم؛ يجعلهم يشعرون بعدم الرضا وفقدان الثقة في أنفسهم، ولكن ذلك لا يعني تجاهل الأمور التي تحتاج إلى معالجة وتحسين وإنما نقصد عدم التركيز عليها كثيرًا؛ فكما يؤكد أحد الخبراء بأن معدل احتمال مشاركة الموظفين في العمل يرتفع ستة أضعاف عندما يستخدمون نقاط قوتهم.
• زيادة مستوى الضغط على العاملين يُشعرهم بقدرات أقل حتى لو كانوا مستعدين للتعامل مع المواقف الصعبة، بينما تقليل الضغط في بيئة العمل يعزز ثقة الموظفين بأنفسهم، ومن ذلك المرونة في أوقات الدوام، والتركيز على الكيف في الإنجاز وليس على الكم.
• سعي بعض المديرين إلى عزل نفسه في برج عاجي، فلا يسمح لأحد بالاقتراب منه أو التحدث إليه سوى شلته الفاسدة أقصد شلته الخاصة. بينما القائد الناجح يظهر لموظفيه حاجته إلى دعمهم وطلب الرأي والمشورة منهم حول كثير من الأمور.
• ازدواجية المعايير في التعامل مع الموظفين فيما يخص تكليفهم بالواجبات التي تسند إليهم، وكذلك الحال فيما يخص تمكينهم من الحصول على حقوقهم.
وفي الختام فإن من المزالق الخطرة على من يمتلك هذه الشخصية النرجسية التي تجعله يرى أن الناس ليسوا أهلًا لثقته؛ لأنهم لا يستحقونها، سوف تكون النتيجة المنطقية لذلك أن يرى أنه ليس مثلهم، الأمر الذي قد يصل به إلى العُجب الذي يُهلك صاحبه.