د. خالد محمد باطرفي

حياةُ سلمان بعينِ الكامِيرَا

ولد سلمان لأسرة متوسطة الحال، في حي شعبي من أحياء الرياض. كان أصغر إخوته، وقرة عيني والديه. ذكائه وسرعة بديهته أكسبته ثقة والده، فاصطحبه قبل أن يبلغ العاشرة إلى أعماله في مجال العقار نهارًا، وإلى سهراته الماجنة، في البر، مع صحبة السوء، ليلًا.
***

أغدق أبوه عليه المال والدلال، وحفظ الابن أسرار أبيه، حتى اكتشفت أمّه المتدينة ما يجري، وأجبرته على اصطحابها إلى بيت عشيقة والده.
ورغم صغر سنّه، فقد أدرك عظمة أمّه عندما خطبت العشيقة لزوجها، ثم عادت لتقنعه بأن يأخذها بالحلال، زوجة ثانية، وسلّمته مبلغًا كبيرًا استلفته لتغطية مصاريف الزواج.
***

رفض الأب هذا العرض تقديسًا لزوجته، ورفضت العشيقة الزواج به؛ لأنها تُفضل “الحرية”، وعلاقة بلا ارتباط، وانتهت العلاقة بينهما عند هذا الحد.

أقلع الأب عن الشراب بعد أن ضرب ابنته حتى تسبب في شللها، لتمسّكها بالدراسة في كلية الطب، وكاد يطلق النار على زوجته في ليلة فقد فيها صوابه، لولا اتّصالها بالشرطة، التي أنقذتها وأبناءها المحتجزين في غرفة بالبيت.
***

توفي الأب الحنون، رغم شدته، بعد سنوات، وترك للابن مكتبه العقاري، وللأسرة بيتًا متواضعًا، باعت أمه المكتب لتُجبر سلمان على التفرّغ للدراسة، ولكنه لم يطق مقاعدها، كما لم يقبلها في حياته، ووجد في حاجة أسرته للعمل فرصة للتوقف عنها.

عمل سلمان وهو في سن المراهقة المبكرة في ورشة كورية لتصنيع لوحات السيارات؛ حيث الأجرة على عدد اللوحات التي يصنعها كل يوم.

***

تلقفته جماعة دينية بأجندة خارجية، وتبنت توجيهه وتدريبه، من خلال نادٍ رياضي ثقافي تديره. تغيّرت شخصيته، فمالت إلى التدين، وبقدر ما فرحت أمه بـ”هدايته”، فقد عانت أسرته من تشدّده تجاه مشاهدة التلفاز، والموسيقى، والرقص، ولبس البنطال.

أكثر سلمان الأسئلة والجدال مع الدعاة في “الجماعة”، فحاولوا الضغط عليه لتقبّل التوجيه والأوامر بدون مناقشة. خرج عن طورهم بعد أن شك في توجهاتهم، وتضايق من إصرارهم على تهجينه، وانضم إلى حلقات دروس سلفيه لكبار العلماء ومشاهير الدعاة.

***

قادته دروب العمل والحياة إلى التجارة فنجح وفشل، واستدرجته الجماعات الدينية إلى الجهاد في أفغانستان، عندما كان ذلك مسموحًا، فذهب إلى بيشاور. على أن مغامرته لم تطل، فعاد بعد إتمام تدريبه في خوست، ومشاركته في جبهة جلال آباد.

مرّ بمرحلة مراجعة عميقة للذات، وإعادة بناء للشخصية الفكرية؛ خاصة بعد وفاة والدته، وزواجه، وإنجابه. توسع في أعماله التجارية، ودخل في مجالات إعلامية وفنية، تجافي ماضيه المحافظ، وبعد طلاقه من أم أبنائه، تزوج من لبنانية شيعية، غيّرت مجرى حياته، فاستقر أخيرًا وركّز، بمساعدتها، على إنجاح مؤسسته للإنتاج الفني، في الرياض، وبيروت، والقاهرة.
***

يكتب اليوم سيرة حياته في مسلسل تلفزيوني، ويبحث عن قناة عربية تتبناه. اطلعت على سيناريو الحلقات الأولى للمسلسل فأعجبتني مهنيته، وأذهلتني صراحته وشجاعته في كشف الحقائق، ومواجهة الأخطاء ومراجعة الماضي بوعي الحاضر.

أتمنى له النجاح في تقديم العبرة لمن يعتبر، وتنبيه الأسر وأبنائها للتفريق بين التدين المحمود، وبين تبني أفكار ومبادئ حركات الإسلام السياسي، وأجنداتها الخارجية.

فواصل:

• الجاهل عدو نفسه، ولكن هل يمكن للعاقل أن يكون كذلك؟!
• لا يجتمع في مؤمن تقوى وكذب!
• كيف تجتمع غاية سامية ووسيلة دنيّة؟
• من نام عن عدوّه.. نبهته المكائد.
• بين الحق والباطل قلب وضمير.

د. خالد محمد باطرفي

دكتوراه في الصحافة والعلوم السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى