تنتهي محطات المسير أو تنتهي أنت على الجملة ولا زلت تتفرس شغفك في كل ما يحيط، بحثاً على سلّمٍ يوصل لأعتابه ودليلٍ يوقفك ببابه.
هوعند الكثير حبل النجاة إن عُرف، ومهلكة الجهد والطاقة إن جُهل، ومتى بات طريقا لا يعرف ومسلكاً لم يدرك فقد توسط التيه راحتيك واستوطن الحزن مقلتيك، وأزعم أن الكثير يوافق على هذا.
مادام الشغف هو “طاقة وشعور بالقوة، نابع من التركيز على ما يثير حماسك”. على حد قول “أوبرا” فالذي يثير حماسك حتماً سيثير طاقتك وجهدك، ولن تستحلي القعود بعد أن يصبح محركك وقاعدتك.
ربما يصل بمنظّريه أحيانا للقول بأن الفارق الكبير بين الناجح وما دونه هو في ذلك المصطلح، ولا وجود لمعيار الذكاء والحفظ والطلب، ولا الجد والاجتهاد كذلك، وربما تتساوى العقول تماماً في التحصيل والإرادة والكسب لو توحّد الشغف في شريحة ما.
من خلال ما مررت به، قد يترسّب في ذهنك تلازم النجاح مع الشغف وارتباط المجد لكل باحث عنه مع سَوق الروح الذي أدركه وفات غيره.
“ليس الفشل أن تسقط بل أن تتجاهل المحاولة للنهوض” وأراها فلسفياً تصب فيما نقول بطريق أو بآخر، وكأنها تقول ليس الفشل ألا تجد شغفك، بل الفشل أن تستمر فيما لا تراه شغفاً، وتهدر مدخراتك في مبذول لا يعلم له مردود، ومردود لا يتوافق حتماً مع مبذول، والخروج من ذلك الفشل أن تؤمن أنك لم تدرك شغفك بعد، وأن الطريق طويل لاكتشافه، لأنك إن أمسكت زمامه فلن تبارح صحيفة الأمجاد وقائمة الناجحين.
حين تحركك المادة لنشاط ما فأنك غالباً تنجزه، ولكن حين تتلاحم الروح معها في صناعة ذلك المنجز تنساق له بقدر ما ينساق إليك، وتحفظ الكثير من طاقتك، وتصل بأسرع السبل، وهذا الذي يدعوك لبذل المضاعف، ومضاعفة المبذول.
كثيراً ما ربط الفلاسفة المهتمين موت الانسان مجازاً قبل أوانه بموت ذلك العنصر في داخله، ونهايته الحتمية التي استعجلها لنفسه كانت بسبب فناء تلك الروح.
راقب الصناع المهرة، ستجدهم يدندنون في صنائعهم، ولذلك تجد صنيعهم مُكتسي بالإتقان، مُجمّلٌ بالدقة، عامر بالحسن، وكأنه يخبرنا أن اليد الحرفية تصنع، ولكن الروح تصنع الدقة والاتقان بمعية ذلك الشغف، فأصبح ما يصنعه ليس سوى صنيعة الروح لا صنيعة اليد، ولم تكون اليد إلا أداة كغيرها، لن تتقن الأداة مالم يتقن من يمسك بها، ويصرّفها وفق ما يجب.
نعود لأزمة الأزل وأزلية الأزمات ” ش غ ف” وكيف لك ملاقاة ذلك المفقود والامساك بذلك الضائع الموعود؟
في نظري أن التجربة هي أول السبل وفاردها، وهي الأكثر منطقية لمعانقة ما ترجو، ولا أعلم طريقاً غير التجربة، وإن عرفت غيرها فأنا أول المسلّمين.
ختاماً…. ركائب المجرّبين لازالت تتوسط الميدان، ولعلها تجد ذلك التائه فتنتصر به على تلك الأحلام المعلقة والأماني المتفلّتة، وينعقلُ لكل ما أراد.
0