يحتفل العالم في الأول من شهر أكتوبر من كل عام بيوم الابتسامة، وهو اليوم الذي يُحتفى فيه بتعابير وجه الإنسان، ليس لأنه ينقل المشاعر الودية، ويعرب عن الفرح فقط، بل أيضًا لأنه يعزز صحة الإنسان فالابتسامة سلوى للقلوب، وعلاج للجروح يقول عنها العلماء: إنها تعبيرات على الوجوه، تُظهِر ما يعتري القلب من فرح وسرور، وتستعمل عادة للتعبير عن السعادة، أو التعجب من أمر ما. كما يقول عنها الأطباء: إنها غذاء للأرواح، ودواء للقلوب وربما كانت إحدى وسائل الشفاء من الأمراض، كما أنها تطيل العمر، وتزيد من النشاط الذهني، وتقوي القدرة على الانتباه والتعمق الفكري، فيصبح المرء قادرًا على التخيل والإبداع في كل مناشط الحياة ومجالاتها.
وعلى الرغم من كل هذه المميزات السحرية للابتسامة البشرية إلا أنها بدأت تختفي من الوجوه في زمننا هذا، وتتلاشى من ملامح الناس بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي ألقت بثقلها على العديد من الأفراد جراء ارتفاع الضغوط النفسية والأزمات المالية التي أقضت مضاجعهم وسلبت منهم ابتسامتهم، وفقدوا مع مرور الأيام والأعوام أشياء كثيرة كانت تمنحهم الإحساس بالسعادة والابتسامة العفوية الصادرة من القلب؛ خاصة بعد أن تراكمت الديون عليهم بسبب ما وصلت إليه مصروفات الفرد الواحد من معدلات عالية جدًا مقارنة بما كانت عليه قبل سنوات. فارتفاع أسعار البنزين وزيادة الضريبة على المواد الاستهلاكية، وارتفاع فواتير الماء والكهرباء، وجشع التجار الذي ترتب عليه استغلال حاجة الناس إلى ضروريات الحياة اليومية أصبحت كلها عوامل طحن أدت إلى اختفاء الابتسامة من الوجوه رغم كل المحاولات اليائسة.
ومما زاد الطين بلة انتشار جائحة «كورونا» منذ عامين تقريبًا، والتي زادت الأمور سوءًا في جميع المجالات الاقتصادية منها والصحية والثقافية، والتي فقدنا بانتشارها الحرية والأمان والخوف من المصير المجهول الذي بات يخافه العالم قاطبة؛ خاصة عندما فقدنا أحبة غاليين على قلوبنا أصيبوا بهذا الوباء فرحلوا عن عالمنا فعشنا بعدهم في ذهول، وهربت منا الابتسامة رغم إيماننا العميق بما يكتبه الله ويجريه علينا من الأقدار. وقد زادت مشاعرنا وأحاسيسنا تبلدًا بسبب ما نشاهده ليلًا ونهارًا من مواد إعلامية وأخبار وتقارير يومية عن سرعة انتشار هذا الوباء والأرقام الفلكية للضحايا والمصابين به؛ حتى انتهى بنا المطاف إلى فقدان الابتسامة بكل معانيها وصورها المختلفة.
وأمام كل هذه العقبات في الحياة أصبح الفرد منا يفضل الوحدة والعزلة لكي يبتعد عن عالمه الذي دفعه للكثير من المتاعب في حياته ومعيشته ظنًا منه بأن هذا الابتعاد وتقوقعه في وحدته سوف يسلم حياته نوعًا ما من متاعب الدنيا، ومشقتها، متناسيًّا بذلك أنه يجب عليه أسراج نور التفاؤل والحفاظ على بارقة الأمل حتى يستطيع أن يعيد شيئًا من البسمة المفقودة على محياه.
وختام القول فإنه إذا ما دققنا في وجوه جيل هذا الزمان فحتمًا أننا سنلاحظ أن غالبية الناس أصبحوا أجسادًا بلا أروح ليس لديهم أي انفعالات أو حركات تدل على الفرح والسعادة بل هم أقرب إلى وضع التجمد، وهذا ما يدفعنا للتساؤل لماذا غابت الابتسامة عنا؟ وهل فقدنا الابتسامة وتسربت من وجوهنا؟ أم أنها خرجت وضلت طريق عودتها ؟! وهل ستجد من يرجعها إلينا قبل أن نغادر عن هذا الوجود ؟!
وخزة قلم:
كنَّا قديمًا نتغلب على الأزمات والنكبات بالنكتة والمونولوجست وخفة الدم فهل ستجدي نفعًا مع نكبات هذا الزمان؟!