الباحة – غادر منطقته رغم صغر سنه من أجل مواصلة تعليمه؛ لتحقيق هدفه الذي جعله نصب عينيه منذ الصغر، وهو الالتحاق بالسلك العسكري؛ وتحديدًا الطيران الحربي، جدَّ واجتهد وثابر في جميع مراحله الدراسية؛ حتى حصل على المرحلة الثانوية؛ ليلتحق بكلية الملك فيصل الجوية، ويتخرَّج برتبة ملازم طيار؛ لينضم إلى صقور الجو السعودية مدافعًا عن دينه ووطنه، 35 عامًا قضاها محلقًا في سماء الكون الفسيح يُعانق الغمام، شارك في العديد من المعارك القتالية، إنه العميد الطيار الركن عبدالله بن مرضي الزهراني ضيف الحلقة التاسعة من زاوية مواقف ومذكرات أمنية بصحيفة مكة الإلكترونية.
أهلًا ومرحبًا فيك سعادة العميد
– عرَّف القراء الكرام على اسمك الكامل من خلال هويتك الوطنية ومكان ولادتك ونشأتك وحياة الطفولة؟
عبدالله بن مرضي عطية الطفيلي الزهراني.
ولدت ونشأت وترعرعت في قرية عويرة بمحافظة المندق ببلاد زهران، تاريخ الميلاد 23 فبراير 1960م.
– أين تلقيت تعليمك في جميع مراحلك الدراسية؟
درست الابتدائية في مدرسة قرية عويرة، وانتقلت إلى متوسطة النصباء، وحصلت على أولى متوسط ثم غادرت إلى مدينة الطائف، والتحقت بمدرسة الكتاب العسكريين، ودرست فيها الصف الثاني متوسط ثم التحقت بالتخصص، وبقيت أدرس الكفاءة في المدرسة الليلية.
ثم تخرجت من مدرسة الكتاب، وحصلت على ترتيب الأول؛ فعينت في مدينة الطائف مدرسة سلاح الصيانة، استمريت في الدراسة الليلية، وحصلت على الثانوية العامة، والتحقت بكلية الملك فيصل الجوية، وتخرجت منها ملازم طيار عام 1980م.
– لماذ اتجهت للسلك العسكري دون غيره من الأعمال؟
التحقت في السلك العسكري وقتها تقليدًا لزملائي الذين سبقوني بالالتحاق بمدارس أسلحة الجيش. ففيها استمرار في الدراسة، وفيها راتب وقتها لا يوجد في المدارس العادية.
– لماذا اخترت الطيران الحربي تحديدًا؟
الطيران الحربي أصبح حلمي بمجرد رؤيتي لإحدى الطائرات الحربية، وهي تحلق على ارتفاع منخفض من فوق الثانوية التي كنت أدرس فيها فتعلقت به، وعملت من أجله وتوفقت والحمد لله.
– حدثنا عن ذكرياتك مع الطيران، والمواقف الصعبة والطريقة، وموقف لا تنساه؟
الذكريات كثيرة ولا يتسع المجال هنا لذكرها، وأيضًا بعضها لا يُناسب التصريح به؛ فقد مررنا بأحداث كثيرة تشيب الولدان، ولكن أصعبها والتي لم أتمكن من نسيانها هي الحوادث التي فقدت فيها بعض زملائي سواء أثناء أثناء التدريب أو أثناء العمليات الحربية.
– ماذا كان شعورك وأنت تجلس بجانب مدربك لأول مرة لتتلقى التدريب على علوم الطيران؟
كان شعورًا مختلطًا بين الخوف والرغبة في التحليق، ولا أنسى ماعمله معي مدربي الإنجليزي الخبير من الحركات الصعبة والمناورات المعقدة، والتي اتضح له من خلالها أنني مؤهل للطيران، وليس عندي أي مشكلة، وصرَّح بذلك لي فزادت ثقتي.
– كيف كان شعورك وأنت تحلق لأول مرة فوق أغلى أرض بعد تخرجك كضابط طيار مدافعًا عن دينك ووطنك؟
شعور لا يوصف، ولكن طبيعة العمل تجعلك دائمًا تهتم في إتقان عملك وإنجاز مهتمك؛ لأن الطيران العسكري ليس كأي عمل آخر، فالتدريب فيه مستمر، وكلما أنجزت مهمة تبدأ في مهمات جديدة أخرى، وهكذا.
– ماهي أنواع الطائرات التي تلقيت عليها التدريب؟
وكذلك التي عملت عليها؟
تلقيت التدريب في الكلية على نوعين من الطائرات.
الطائرة الأولى مجرد التأكد من أنك مؤهل للطيران، والثانية تستمر فيها سنة كاملة تتعلم فيها جميع أنواع المهمات القتالية.
وبعد التخرج تعيَّنت حسب رغبتي على طائرة السلاح ثم انتقلت إلى الطيران الخاص، وتأهلت على عدة طائرات، وآخر ما طرت عليه ثلاثة أنواع من الطائرات في برنامج “الاستمطار” الذي كانت حياتي العملية فيه أجمل حياة؛ حيث تحققت رغبتي في المغامرات بالدخول وسط السحب المتراكمة التي نستمتع بالسباحة داخلها، ومداعبتها ثم تلقيحها!
– أين قضيت خدمتك العسكرية من بعد تخرجك من الكلية حتى تقاعدك؟
قضيت خدمتي بعد التخرج مباشرة في قاعدة الملك عبدالله ثم انتقلت إلى قاعدة الرياض ثم قاعدة الأمير سلطان ثم أخيرًا تعيَّنت قائدًا لجناح التعليم ثم كُلفت بقيادة الكلية لفترة ثم تقاعدت، وتعاقدت مع الديوان الملكي في برنامج الاستمطار.
– بصفتك أحد صقور الجو لابد أنك شاركت في معارك قتالية ما هي أول معركة نلت فيها شرف المشاركة؟
أول معارك دخلت فيها كانت المشاركة مع الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي، ولا أنسى ونحن نازلين في الليل في مطار كابل، وكنت أرى الصواريخ من حول طائرتنا، وأظنها بروق لأن الجو كان مغيمًا، ولكن الحمد لله لم تصبنا، ولم نعرف أنها صواريخ إلا بعد نزولنا على أرض المطار.
وبعدها حرب تحرير الكويت التي شاركنا فيها جميعًا، والحمد لله كان التوفيق حليفنا.
– وماهي آخر معركة قتالية نلت فيها ذات الشرف؟
آخر معركة شاركنا فيها كانت مع حلفائنا الأمريكان في الصومال؛ حيث كنا نقلع من المطار، ونبقى نرتفع بشكل حلزوني حتى لا يقتنصنا الذين كانوا يتربصون بنا حول المطار، ولكني تفاجأت ذات يوم بصاروخ يمر بجواري، وليس بيني وبينه إلا عدة أمتار، ولكن الله كتب لنا السلامة والحمد لله.
– هل هناك سن معين أو رتبة معينة يبتعد فيها الطيار عن الطيران بوجه عام، والطيران القتالي بوجه خاص؟
صحة الطيار هي التي تبعده عن الطيران، أما غيرها فلا. فهناك من لازال يُمارس الطيران وهو قد تقدم به العمر. فالطيران هواية، من يحبها لا يتركها!
أهم شيء أنه يجتاز الفحص الطبي الذي يجرى للطيارين كل عام.
– عايشت أحداث حرب جبل دخان وعاصفة الحزم، وإعادة الأمل.
كيف رأيت هذه الأحداث وماذا استفدت منها؟
نعم عايشتها، ولكن أكثر طيراني وقتها كان بعيدًا عنها.
– من خلال عملكم كضابط طيار في القوات المسلحة لابد من مصادفة بعض المواقف ماهي أبرز المواقف التي لازالت في ذاكرة العميد عبدالله ؟
كثيرة هي المواقف والتي بعضها كما ذكرت يشيب الولدان، ومنها تلك الحوادث التي حصلت لبعض الزملاء منهم من فقدناه، ومنهم من أصيب ببعض الإعاقات، ولكن الحمد لله على كل حال.
– هناك اختلاف في المهام والمسؤوليات ماهي المهمة أو المسؤولية التي توليتها ولازلت تفتخر بها حتى الآن؟
منذ كنت طالبًا في المتوسطة، وأنا أكلف بمهمات؛ حيث أول ما عينت عريفًا للصف، وعانيت كثيرًا من تلك الفترة، وبعدها لم أسلم من التكليف بالمسؤوليات حتى تقاعدت.
– اذكر لنا أهم ما سطره رجال القوات المسلحة من مواقف خلال الاشتباكات القتالية مع العدو من خلال ما رأيته كونك أحد القادة العسكريين؟
الحقيقة أنني لا أعرف أحدًا من زملائي لم يكن مضحيًا بحياته من أجل عمله، فقد كان العمل هو الأول في حياتنا.
ففي حرب تحرير الكويت كل الزملاء كانوا يقلعون، وهم لا يفكرون هل سيموتون أم سيعودون؟ ولكن همهم الأول والأخير هو إنجاز مهماتهم، وقد نجحوا والحمد لله.
صحيح قد حصل لهم صدمات في بداية الحرب، ولكن سرعان ما تعلموا منها، وأصبحوا يتفوقون على الإنجليز والأمريكان مع أن الطائرات التي كنا نطير عليها هي إما إنجليزية أو أمريكية.
– من خلال مسيرتك العملية في العديد من المناطق هناك من يقول إن العمل يختلف من منطقة لمنطقة.. هل هذا راجع للأشخاص؟ والتباين في تطبيق النظام؟
عملت في جميع مناطق المملكة، ولم أجد أي اختلاف يذكر. فنحن قد تدربنا وتعودنا على التأقلم مع الأجواء.
وأستغرب والله ممن يتضجر، ويشتكي من الأجواء مع أننا عندما التحقنا بالكلية كنا نبقى ساعات طوال وسط الشمس، وفي أوقات تشتد فيها الحرارة إلى أقصى درجاتها، وفي الشتاء يكون البرد أيضًا شديدًا، ولكننا تأقلمنا مع الجو رغم أننا أتينا من مناطق مختلفة عن الرياض. ولكننا لم نشتكِ ولم نهتم إلا بالطيران فقط، والحمد لله مرت السنوات، ونحن لم نحس بها.
– ماذا تعلَّمت من هذه السنوات الطويلة التي قضيتها في المجال العسكري بالقوات المسلحة؟
تعلمت الكثير. أولًا : الشكر لله سبحانه ثم لمؤسس هذه المملكة التي جعلتنا نعيش في أمن وأمان وكرامة وعزة؛ فقد سافرت للتدريب في عدة دول مثل: أمريكا وبريطانيا وفرنسا وأسبانيا، ووجدت أن السعودي محترم ومقدر، ويحظى باهتمام يختلف عن أي مواطن آخر.
لذلك يجب علينا إشعار أبنائنا بأن يشكرون ويقدرون، ويحترمون هذه الهوية السعودية التي جعلت لهم أعلى مكانة في العالم.
– بماذا خرج العميد عبدالله بعد خدمته العسكرية التي تجاوزت (35) عامًا؟
خرجت من الخدمة التي قضيتها في القوات المسلحة، وأنا أردد:
أنا عسكري عاش في كنف العلا
نشأت على الإسلام دومًا مكرمٌ
– ماذا يقول العميد عبدالله عن النقد الإعلامي الهادف البنّاء الذي يتم من خلال إصلاح القصور فيما يقدم للوطن والمواطن من خدمات؟
النقد البناء والهادف مطلوب، والاعتراف بالخطأ ضروري من الجهات العاملة بل هو أول خطوات التصحيح.
– كيف برنامجك اليومي بعد سنوات من العطاء قضيتها في خدمة الدين ثم المليك والوطن؟
برنامجي منذ صغري لم يتغير؛ فأنا أنام مبكرًا وأصحو مبكرًا، ولا أحب السهر إلا في المهمات التي كنا نكلف بها.
أما بعد التقاعد فإني على نفس المنهج. أحاول تعويض مافاتني من التفقه في الدين ومراجعة ما حفظته من القرآن.
أنام قبل العاشرة وأصحو في الثلث الأخير من الليل، وأبقى مستعدًا لصلاة الفجر ثم أعود للاستراحة وممارسة الرياضة، وأداء ما أراه من الواجبات.
– ماذا تريد أن تقول لزملائك الأبطال المرابطين على حدود الوطن الذين كنت من ضمنهم في الذود عن حياضه وحماية مقدراته؟
أقول لهم يا حظكم. استمروا فوالله..إنني أتمنى أن أكون معكم للدفاع عن هذا الوطن العظيم وأموت شهيدًا كما كنت، ولازلت أتمنى.
وقد قلت، ولازلت أقول بأنني جاهز لو احتاجوني، ودعوني في أي وقت.
– بماذا تريد أن تختم هذا اللقاء؟
أختم اللقاء بالحمد والشكر لله على هذه النعمة التي ننعم بها في هذا الوطن الذي لم أجد له مثيلًا أبدًا، وأدعو لحكومتنا الرشيدة بالتوفيق والسداد؛ فهم أسباب ما نعيشه من نعمة وأمن وأمان حفظهم الله، ووفقهم وسدد أمرهم.
ثم أن كلمة شكرًا لك لا تكفي أستاذ حسن الغالي حفظك الله.
شكرا على هذا الحوار.. وليته كان أشمل و أطول ليغطي بعض مواقفه الخاصة والكثيرة مع ملوك هذه البلاد .. و رحلته القديمة مع الصحافة و تعلقه الكبير بالأدب و التراث و إبداعه فيهما ..
العميد الطيار ركن عبدالله بن مرضي رجل عظيم .. مسرفٌ في التواضع .. وهو في داخل هذا الحوار يمثل نفسه حتى خارجه أيضا؛ إذ أنه نادرا ما يتحدث قبل أن يسأل رغم قدرته على السرد الطويل داخل سياق واحد او حتى سياقات متعددة .. حفظه الله و إياكم و شكرا على هذه النافذة على حياته العسكرية ..
شكرا لا تكفي صديقي الغاااالي. وأنا أتفق معك أنني لم أذكر إلا إجابات مختصرة وسريعة ولكن أبشروا بالعوض بإذن الله فمثلكم يستاهل التضحية حتى بالعمر فكيف بمجرد كلام.
حفظك الله وشكر لك ووفقك وأعانك.
أنعم وأكرم
دائما أنت القائد والمميز
رفعت اسمك واسم عائلتك وقبيلتك عاليا
تسلم يالغالي الله يحفظك.
والنعم والله بالعميد عبدالله احد ابطال سلاح الجو السعودي
ماعليكم زود حفظكم الله ووفقكم إلى كل خير
العميد طيار ركن / عبدالله بن مرضي الزهراني
اسم علم لرجال زهران كافة وللقوات الجوية خاصة والمسلحة عامة .
مدرسة متنقلة علميا وعمليا كلمة حق تقال نحاسب عنها .
نسأل الله له التوفيق والسداد
فيك الخير ياغالي والله يحفظك ويوفقك ويوسع رزقك.
شكراً لا تكفي للأستاذ حسن ولكل من تكر بالإطلاع والتعليق.
حفظكم الله جميعاً. Jnr
هذا الرجل من أصدقائي المميزين على منصة تويتر رجل خلوق ومحترم حقيقي لم أعلم أنه طيار إلا بعد هذا الحوار الرائع
نشكر صحيفة مكة على هذا الحوار الرائع
وأشكر أيضاً أخوي القدير حسن
وأقول له نحن في إنتظار جديدك