د. عبدالله علي النهدي

الحرب على الفساد

بتعاونكم باشرت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد خلال شهر صفر اختصاصاتها ومهامها من خلال عمل (10329) جولة رقابية، وكذلك التحقيق مع (639) متهمًا في قضايا إدارية وجنائية، وإيقاف (271) مواطنًا ومقيمًا، منهم موظفون من وزارات (الدفاع، الداخلية، الحرس الوطني، الصحة، العدل، المالية، الشؤون البلدية والقروية والإسكان، البيئة والمياه والزراعة، الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية) و(هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، هيئة الزكاة والضريبة والجمارك)؛ لتورطهم بتهم (الرشوة، استغلال النفوذ الوظيفي، إساءة استخدام السلطة، التزوير) وجارٍ استكمال الإجراءات النظامية تمهيدًا لإحالتهم للقضاء.
مثل هذه الرسالة تصل إلى هواتفنا المحمولة بين فترة وأخرى، وهذه الرسالة رغم أنها مقلقة من ناحية إلا أنها مطمئنة ومفرحة في نفس الوقت؛ فالقلق من حيث إفصاحها عن حجم الفساد والمفسدين في مجتمعنا ممن استغلوا مناصبهم الإدارية ومواقعهم التنظيمية، واستغلوا نفوذهم في سرقة وتبديد المال العام أو الإهمال والتقصير فيما أسند إليهم من مهام، وبصورة أحدثت شرخًا فيما تقدمه إداراتهم من خدمات للمواطنين، وتسبب البعض منهم في ولادة مشاريع مشلولة انتهت صلاحيتها وعمرها الافتراضي قبل أن تبدأ في العمل، بل ربما وئدت بعضًا من تلك المشاريع في مهدها، ولكن في ذات الوقت فإن الجانب المفرح في مثل هذه الرسالة، هو الجدية والعمل الدؤوب لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد في حملتها الشرسة لاجتثاث الفساد والقضاء عليه بتوجيهات كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وبمتابعة مباشرة ودؤوبة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -وفقه الله-.
إن الفساد الإداري والمالي سرطان ينخر في جسد التنمية وطاعون يفتك في خاصرة الاقتصاد الوطني لأية دولة، ومتى تمَّت السيطرة عليه من خلال الجدارة والكفاءة الإدارية والنزاهة المالية؛ فسيتحقق للمجتمع ما ينشده من رقي وسمو بكفاءاته وثرواته وانجازاته، وإذا كان الفساد المالي يتضح في الانحرافات المالية من خلال مخالفة القواعد والأحكام المالية المنصوص عليها داخل المنظمة أو من خلال تسخير الموظف سلطة وظيفته للانتفاع من الأعمال الموكلة إليه في فرض الإتاوة على بعض الأشخاص أو استخدام القوة البشرية الحكومية من العمال والموظفين في الأمور الشخصية في غير الأعمال الرسمية المخصصة لهم، وكذلك الإسراف في استخدام المال العام، وتبديده من خلال المبالغة في ثمن المشتريات، وفي المناقصات والمحسوبية في توظيف أشخاص أقل كفاءة على حساب آخرين أكثر تأهيلًا وبعقود خيالية!! إلى غير ذلك من صور الفساد المالي.

لكن البعض ربما يجهل أو يتجاهل بعضًا من أشكال الفساد الإداري، ولعل أكثرها انتشارًا ظاهرة التسيب الوظيفي وعدم الالتزام بساعات العمل الرسمية من خلال التأخر صباحًا عن وقت الدوام، ومغادرة العمل قبل نهايته أو إضاعة الوقت أثناء تواجد الموظف داخل الإدارة بالتنقل بين المكاتب واستقبال الأصدقاء وتأخير العمل وتعطيل مصالح الناس، وقد اعتبرت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد أن عدم الالتزام بساعات الدوام الرسمي يعدُّ وجهًا من أوجه الفساد الإداري الذي يستحق الإبلاغ عنه من قبل المواطنين والمواطنات، وكانت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في فترة سابقة قد نشرت على موقعها الإلكتروني استفتاء لتحديد أكثر أنماط الفساد الإداري انتشارًا؛ فجاء عدم الالتزام بساعات الدوام الرسمي في المرتبة الثانية كأحد أنواع الفساد المنتشرة بعد المحاباة والواسطة التي حصلت على المرتبة الأولى بنسبة (76.5%) من مجمل الأصوات.

وتختتم رسالة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بعبارة: ولحماية المال العام والحفاظ عليه؛ ساهم بالإبلاغ عن أي شبهات فساد مالي أو إداري من خلال وسائل تلقي البلاغات الآتية: الهاتف المجاني: (980 (والفاكس: (0114420057) أو البريد الإلكتروني 980@Nazaha.gov.sa ، وهي دعوة وتحفيز للجميع بالتعاون مع هيئة الرقابة ومكافحة الفساد لتطهير كافة المؤسسات والمجتمع بشكل عام من جرثومة الفساد المالي والإداري التي لن تجدي معها كمامات الصمت ولا التباعد الاجتماعي بالتغافل عنها وتجاهلها، ولا توجد لها جرعات تحصين، فلا ينفع معها سوى بترها من أعمق جذورها.
خير ختام:
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ). (سورة آل عمران: 161).
————————————
* عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button