د.هاشم عبده هاشم

ثقافة عابرة للقارات.. كيف؟

أحسنت وزارة الثقافة – منذ بداية تأسيسها- في إيجاد هيئات متخصصة؛ لتغطية كافة أفرع الثقافة ومجالاتها العريضة والواسعة حتى تتفرغ كل هيئة للاضطلاع بمهامها ومسؤولياتها على أكمل وجه.

ونحن وإن كنا حتى الآن في مرحلة التأسيس والبناء للشخصية الثقافية متعددة الأبعاد، إلا أننا نلمس الكثير من المبادرات والجهود والخطوات المشجعة، وإن كنا نُدرك أن الطريق طويل..وأن محيط الثقافة لا حدود ولا نهاية لها..وأن علاقة الثقافة بالسياسة من جهة وبالإعلام من جهة ثانية، وكذلك بالأمن الفكري، وبأدوات ووسائل الاتصال المختلفة، تجعل العملية على درجة كبيرة من الزخم والتعقيد والتشابك، وبالتالي فإن الإنجاز فيها يتطلب الكثير من الأرصدة لإنجاز المخطط، وإنتاج وصناعة المضمون القادر على التأثير ليس فقط على مستوى الداخل، وإنما على المستوى الخارجي، وفي جميع الساحات والاهتمامات، بما في ذلك اقتحام التكتلات، وغزو المجتمعات، وتغيير الصور الذهنية الخاطئة أو المشوَّهة عنا، وعن مجتمعاتنا وثقافتنا والوقوف على حقيقة من نكون؟!

ونحمد الله تعالى.. أن لدينا الكثير مما يمكن أن نقوله للآخر ونُثير اهتمامه به، سواءً على المستوى الروحي، والثقافي، والإنساني، أو على المستوى الاقتصادي، والحضاري، والإرث التاريخي، وكما هو معروف، فإن الثقافة من أبرز أدوات القوى الناعمة، ووسائلها المؤثرة في العقول إلى درجة إحداث التغيير على كافة الأصعدة والمستويات، وبالذات إذا نحن وضعنا ذلك ضمن أهدافنا الكبرى وأنتجنا المحتوى القادر على إحداث الأثر الذي نهدف إلى تحقيقه، وعندما قلت إن المشروع كبير وضخم؛ فإنني كنت أقصد بذلك أمرين هامين هما:
أولًا: أن الثقافة ليست ترفًا ينتهي مفعوله بانتهاء النشاط أو الحدث أو المناسبة أو الظرف، وإنما هي عمل خلَّاق ودائم ومستمر ومتدرج في تأثيره، ويتم قياس كل خطوة فيه، لمعرفة درجة وحجم التأثير الذي تحدثه كل عملية لرسم خطط وبرامج تصاعدية؛ تحقيقًا للأهداف المرسومة بعناية فائقة.

ثانيًّا: أن من يقفون وراء صناعة (المحتوى) الثقافي لا يملكون ثقافة الاختراق فحسب، وإنما يملكون أيضًا مهارة الإقناع، وذلك يتطلب مخزونًا علميًا وثقافيًا غزيرًا وقدرات ذهنية غير تقليدية، متجددة ومتطورة باستمرار، وأحسب أننا نملك الكثير من هذه الخصائص وتلك، وإن كنا بحاجة مستمرة إلى تطوير خططنا وبرامجنا وأنظمتنا وقوانيننا ودراساتنا وأبحاثنا متعددة الأغراض والأبعاد لاقتحام عوالم مجهولة، والوصول إلى مراحل متقدمة في التأثير، والاستثمار في العقول بأعلى صورة ممكنة.

ومن أجل ذلك أقول..إن وجود هذا العدد الكبير من الهيئات المتخصصة يُشكل بدايةً قويةً في الاتجاه الصحيح الذي لا يجب اختزاله أو اختصاره في بعض الأنشطة أو الأعمال أو المنتجات الخفيفة فقط، وإنما يجب العمل وبقوة لإنتاج محتوى ثقافي عابر للقارات بالتعاون مع مختلف أجهزة الدولة ذات العلاقة وصولًا إلى الأهداف العليا التي تسعى الدول -في العادة- للوصول إليها لإحداث التأثير المنشود في الدول والمجتمعات الأخرى عن طريق استخدام جميع الأدوات المشروعة والمعتمدة في العلاقات بين دول العالم ومجتمعاته.

وبالتأكيد فإن توجهًا بهذا الحجم يتطلب دعمًا لا محدودًا، ونحن قادرون على ذلك، ومدركون له تمام الإدارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى