التأليف مهنة تستهوي وتستميل الكثير من الناس بحسب ميولهم واتجاهاتهم العقدية والفكرية، كما أنه يعدُّ أحد المؤشرات المهمة للحكم على الفكر الحضاري لأي مجتمع من المجتمعات فزيادة إنتاج مصادر المعلومات وتنوعها في أي بلد يدل على زيادة الوعي الثقافي في المجتمع؛ لذا فإن عملية التأليف ترتكز على ثلاثة محاور أساسية هي: المؤلف، والناشر، والمسوق، وهي العناصر التي تترابط معًا؛ لتكسب المؤلف معناه الحقيقي ومحتواه الذي إما أن يُحترم أو أن يُحتقر !
ومع إيماننا التام بأن الحركة الثقافية والأدبية في مملكتنا الحبيبة قد بدأت تتطور بشكل ملحوظ، وأن هناك دعمًا كبيرًا من قبل الجهات المعنية للكُتَّاب المبدعين، من مختلف الأعمار، إلا أننا بدأنا نلاحظ في السنوات الأخيرة انحرافًا سلبيًا في التأليف والنشر؛ حيث تحولت منصات توقيع الكتب في معارض الكتاب إلى هوس أو موضة وبتنا قاب قوسين أو أدنى من كارثة بكل معانيها الحقيقية؛ حيث أصبح كل من هب ودب يلج من بوابة الكتاب إما بحثًا عن الشهرة أو المكاسب المادية بكل صورها، مما أسهم في تضخم هذا الغثاء الفكري الذي أصبحنا نخشى أن يغرق عقول أجيالنا الناشئة، ويقودهم نحو السطحية في الطرح والإسفاف في التعبير والتفاهة في المحتوى.
وإذا ما ناقشنا أسباب هذه الظاهرة غير المسبوقة في تاريخ النشر والتأليف على الصعيد المحلي؛ فإننا سنكتشف أن أهم عامل لانتشار هذا الغثاء هو تلك المجاملات التي تتبعها دور النشر؛ وخاصة المحلية منها لبعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الذين غلبت عليهم نرجسية الشهرة؛ فاتجهوا إلى مجال التأليف والنشر سعيًا منهم للحصول على المزيد من الأضواء فاتخذوا من الكتاب وسيلة لتحقيق تلك النرجسية؛ وذلك لأن معظم دور النشر تفتقد إلى اللجان المتخصصة التي لديها القدرة على قراءة ودراسة وتقييم تلك الإصدارات التي أصبحت تنتشر في المكتبات ومعارض الكتاب مثل انتشار النار في الهشيم. كما أن من العوامل التي ساعدت على انتشار تلك المؤلفات المعلبة هي النظرة المادية للمؤلف ودار النشر التي جعلت كل ناشر يجتهد في صياغة وتأليف كتب ذات عناوين براقة مستنبطة من قاعدة (خالف تُعرف) مستغلين الاختلافات الفكرية التي ظهرت على السطح في عصرنا الحاضر.
ومن منطلق الإنصاف؛ فإن التطرق لهذا الموضوع ومناقشته ليس دعوة إلى محاربة الإبداع والمبدعين من الجنسين في مختلف العلوم بل إننا نُنادي من هذا المنبر بدعمهم وتشجيعهم وتذليل كل العقبات التي تواجههم والاهتمام بنتاجهم الفكري، ونشره محليًا وعالميًا، ولكننا في الوقت نفسه يجب أن نقف بكل صرامة ضد الانحدار في الطرح، والمحتوى فكلنا نكاد نجزم بأنه ليس كل ما يُعرض فوق أرفف المكتبات في وقتنا الحاضر يصح أن نطلق عليه أدبًا حقيقيًا ونتاجًا فكريًا صالحًا خاصة في ظل الفوضى الثقافية، التي أصبحنا نعيشها بدخول بعض المتطفلين إلى عالم التأليف والنشر، دون أن يملكوا أدنى أدوات الكتابة الحقيقية، ولا أن يدركوا قوة تأثير ما يكتبونه على العامة من الناس بل أصبح تفكيرهم منصبًا على منصات التوقيع، وفلاشات التصوير والدعايات التي تروج لكتبهم.
وختام القول..فإنه كلما كانت الرقابة واسعة على ما ينتج من مواد ثقافية سواء المطبوعة منها أو الرقمية؛ فإن ذلك سيكون أدعى لحماية المجتمعات من الانحرافات والتجاوزات الأخلاقية والسياسية والدينية في نطاق ما تنص عليه قوانين النشر التي يجب أن تتوافق مع التنظيمات والتشريعات الأساسية للدولة مما يعنى أن حُرية النشر والتأليف لا ينبغي أن تكون مطلقة بل لا بد من وضع قوانين وخطوط حمراء يجب على المؤلف والناشر احترامها وعدم تجاوزها بأي حال من الأحوال.
وخزة قلم:
السماح بنشر كتب المُهرجين والسفسطائيين سينتج عنه غثاء ثقافي قادم لا محالة، وسيغرق أجيالنا ويقودهم نحو الإسفاف والتفاهة والسطحية!