جلست تحتها ذاك المساء بسكون..
لم يكن يقطع سكون الليل الغارق في الظلام سوى هدير مكيفات العمارة السكنية العتيقة، وبكاء رضيع ابن الجيران الذي خان هدوء هذا الليل؛ ذاع بكاؤه المتقطع في سماء الليلة الساكنة قاطعًا صمتها الرهيب…
حتى النسيم بدا ساكنًا على نحوٍ غريب، فما يكاد يلامس سعفها إلا لمامًا…
أراحت ظهرها على الأرض المنبسطة تحت نخلة شامخة، ونظرت نحوها بثباتٍ بدءً من سعفها اللامع النهايات جراء انعكاس الأضواء البعيدة عليه، ومرورًا ببقايا عذوق التمر اليابسة يئسًا من أن يجنيها أحد، ونزولاً منسابًا على جسدها بارز التجاعيد..
تنهدت حين وقعت عيناها على بقعةٍ معينةٍ في نصف جذعها السمين الأقرب إلى الأرض، وتذكرت حينما كانت تفاخر بتسلقه صعودًا؛ لجني ثمارها الشهية كلما استحالت صفرتها إلى اللون البني، أو انتصفت في طريقها إليه قبيل المغرب، أو ما بين أذانه وإقامته؛ استعدادًا لفنجان قهوة ما بعد الصلاة مع جدها رحمه الله…
كم كانت تتوق لحرارة الفنجان الأبيض بين أصابعها، وحرارة حلاوة الرطب وهما يستبقان الطريق إلى رفع حرارة معدتها، تلك التي لا تكاد تهدأ إلا بكوب حليبٍ باردٍ قبل النوم…
وعلى الرغم من تلك الحرقة الموعودة؛ إلا أن الرغبة كانت تستعر داخلها إلى تكرار تلك اللذة كل مساء إلى أن تفنى تلك العذوق عن آخرها…
تنهدت من ذكرى الطعم الذي افتقدته، وتبسمت وهي تبتلع ريقها الجاف، وأغمضت عينيها تلذُّذًا بالطعم الذي تتذكره جيدًا، لكن ابتسامتها استحالت صرخة هلعٍ بعد أن ارتطمت تمرةٌ يابسة بأنفها كانت قد أسقطتها تلك الحمامة المتأرجحة بين السعف فوقها…
أثار غبار التمر المتيبس حساسية الأنف لديها؛ فاستجابت لها بعطسةٍ جعلت الحمامة تقفز هلعًا لتفر بعيدًا عن هذه المتطفلة الليلية العاطسة…
تأملت تحليق الحمامة المترنح، وضحكت بملء فيها وهي تقول: هذهِ بتلكَ يَا حَمامة!
4
الإبداع من الأمور النادرة في هذا الزمن، ولكنه يظل أمر مميز مهما قل أو ندر
تألقت بسحر الأسلوب وعذوبته
ماشاء الله تبارك الله إلى مزيد من التألق الأميرة المبدعة.
رائعة أنت أيتها الأميرة حفظك الله وإلى الأمام دائمًا وأبدًا .
ابداعك الوصفي يأخذني لمكان آخر من الذاكرة، مبدعة كعادتك يا أميرة
خواطر محبكة الوصف، تجعلك تقرأ حتى مابين سطورها، ترسل الخيال ليرسم أكثر من قصة في كل نهاية سطر لها.
استمتعت كثيرا بثراء جملها الفصحى؛ مسبوكة الصياغة، محنكة المعنى.
أمتعينا أكثر …
Suka